A+ A-
المجتمع المدني والتحول الديمقراطي

2003-05-24

تمهيد:
مع بداية الالفية الثالثة، دخل الاردن مرحلة جديدة من تطوره باطلاق موجة جديدة من التحديث التي ركزت بصورة خاصة على الاصلاحات الاقتصادية. وقد ادى ذلك، على صعيد المجتمع المدني، الى نشوء جيل جديد من المنظمات المدنية التي تعمل في مجال الاقتصاد والاعمال وتكنولوجيا المعلومات والملكية الفكرية وغيرها. كما اسهم في اطلاق اشكال جديدة من الشراكات والمبادرات والبرامج التي تجمع بين المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات التنمية الدولية والحكومية.يتوزع المجتمع المدني الاردني المعاضر، على اكثر من ثلاث عشرة (13) فئة من التنظيمات المدنية والتي تضم اكثر من (2000) منظمة يصل عدد اعضائها الى حوالي 800 الف شخص.

من اهم هذه الهيئات التنظيمات الاجتماعية الخيرية التي تمثل نحو نصف اجمالي منظمات المجتمع المدني ويزيد حجم العضوية فيها عن (100) الف عضو، والنقابات العمالية (200) الف، النقابات المهنية (80) الفا، المنظمات والهيئات النسائية نحو (140) الفا، ومنظمات اصحاب العمل(75) الفا، الاحزاب السياسية اقل بكثير من (7) الاف،النوادي والمراكز الرياضية والشبابية التي تمثل ما يقرب من 20% من منظمخات المجتمع المدني ويقرب حجم العضوية فيها من (10) الاف عضو(تقديرات مركز الاردن الجديد للدراسات).

من اهم التطورات التي شهدها المجتمع المدني في الاردن في السنوات القليلة الماضية هو نشوء انواع جديدة من المنظمات والبرامج والمبادرات غير الحكومية الداعمة للاندماج في الاقتصاد العالمي وتشجيع القطاع الخاص على لعب ادوار قيادية، فالى جانب اصدار الحكومة سلسلة من التشريعات الجديدة والتي تهدف الى تطوير بيئة الاستثمار واجتذاب رؤوس الاموال الاجنبية الى البلاد، نشات في الاونة الاخيرة العديد من المنظمات والبرامج والشركات المدنية التي تشجع على الاندماج بالاقتصاد العالمي، مثل الجمعيات الخاصة بحماية الملكية الفكرية والعناية بالجودة وتنمية قطاع التكنولوجيا وتنظيم رجال الاعمال الشباب وتدريب الشباب على المهارات اللازمة لقطاع الاعمال وتنظيم صاحبات الاعمال النساء.

قضايا الشباب:رؤية ملكية

على مدى السنوات القليلة الماضية، تبلورت الرسمية الاردنية لقضية لالشباب عموما حول عدة محاور حيوية اعرب عنها الملك عبد الله بن الحسين في اكثر من مناسبة وموقف. وقد طرحت المفردات الاساسية في هذه الرؤية في خطاب العرش الاول لدى افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الامة الثالث عشر، ثم ازدادت معالمها وضوحا في كتب التكليف الوزاري:
منذ تاسيس الدولة وحتى توطيد اركانها دولة عصرية نعتز بها، فاننا لا نقلل من حجم التحديات التي لا زالت ماثلة امامنا، خاصة وان اداء مؤسساتنا حيال بعضها لم يكن بمستوى الطموح ولظروف عديدة بعضها خارج عن سيطرة الاردن، ازداد تعقيد الوضع الاقتصادي في العقد الاخير من القرن الماضي، واسهم في ذلك شح الموارد الطبيعية وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية المستقبلية وتدني انتاجية القطاع العام. اذ شهدت معدلات النمو الاقتصادي تباطؤا ملحوظا ادى الى تراجع حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، وما زال عبء المديونية الخارجية على الاردن كبيرا وهناك الالاف من شبابنا وشاباتنا يبحثون عن فرص عمل، فالاردن يعاني من مشكلتي الفقر والبطالة ، وهما شاغلنا الاكبر منذ تحملنا امانة المسؤولية الاولى.

لا بد من ان نستثمر في المواطن تعليما وتدريبا ، فالانسان هو ضمان مستقبلنا، ونحن اذا اردنا اعداد جيل متوقد الذهن قادر على التفكير والتحليل، واع لحقوقه وواجباته، متمسك بهويته العربية والاسلامية، فان هناك حاجة ملحة الى تطوير مناهج التعليم وطرق التدريس وتدريب المعلمين بشكل يحقق ما نهدف اليه، ضمن استراتيجية واضحة المعالم تاخذ بالحسبان كافة عناصر العملية التربوية والتعليمية، وكلك الحال فيما يتعلق بالتعليم العالي جامعات واساتذة وطلبة وبحثا علميا، ياخذ بعين الاعتبار حاجة سوق العمل وتطور اقتصادنا الوطني.

اما في مجال التدريب المهني، فلا بد ان تقوم الحكومة بدعم المجلس الوطني للتدريب المهني، وان تقوم بانشاء معاهد للتدريب المتخصص تحاكي تلك الموجودة في الدول المتقدمة. ويتطلب ذلك تامين البيئة المناسبة لقيوم القطاع الخاص بدوره الهام في هذا المجال وخاصة في المواءمة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات عملية التدريب.

اما في مجال الاصلاح الاداري فلا بد من تغيير المنظور للعمل الحكومي بحيث يتحقق الفصل بين رسم السياسات وتنفيذها وتعزيز دور القيادات الادالابة، ليصبح تقييم الادارة مرتبطا بوضوح اهدافها واولوياتها. وبما ان ثلاثة ارباع الشعب الاردني هم من جيل الشباب الذي نطمح ان نراه مساهما فاعلا في بناء وطنه ، فلا بد ان يعطى الفرصة للابداع والخدمة ورفد الدولة بمواهبه، فاعداد قيادات ادارية وفنية هو استثمار للوطن يجب ان يؤخذ بجدية تامة ويحافز عليه من اجل ضمان الاستمرارية للدولة الحديثة الناجحة.

واما في قطاع الشباب والرياضة، فنرغب ان نرى سياسة وطنية تضمن وضع قضايا الشباب على سلم اولوياتنا الوطنية، وتسمح بالاستثمار الخاص في النوادي الرياضية، وتهدف الى تشجيع الاحتراف، كما نرى ان يحل مجلس رعاية الشباب مكان الوزارة.
ان الشباب عم عدتنا للمستقبل، ولذا فلا بد من اطلاق طاقاتهم وتوجيهها للخدمة الوطنية العامة، وتنظيمها في اطر جماعية تشمل جميع ارجاء الوطن، واستغلال اوقات فراغهم فيما يفيدهم ويعود على الوطن بالنفع، والتركيز على التعليم والتدريب المهني بهدف تلية حاجات الوطن من اليد العاملة المدربة واحلالها مكان العمالة الوافدة ،وان يكون للنقابات المهنية والعمالية دور بارز في تطوير المهن وتحسين اداءها وتوفير افضل الخدمات للمواطن. والمؤسسات الرياضية بحاجة للعناية والدعم والتنظيم لابراز دورها في رعاية الشباب واطلاق ابداعاتهم، وتعزيز القيم النبيلة والتنافس الشريف وتجذير الاعتزاز الوطني.

الشباب والتوترات المحتملة في الجانب الاجتماعيتؤكد الدراسات ان الشباب، الذين هم الضحية الاولى للبطالة والفقر ولا سيما في المحافظات الطرفية والمناطق الفقيرة ومحدودة الدخل، يستشعرون جوانب هذا التفاوت الاجتماعي، مما ينمي لديهم مشاعر الاحباط ما يجعل خيارهم الاول هو الهجرة والبحث عن فرص عمل خارج الاردن، ولذلك فان تجسير الفجوات والتوجه ببرامج التنمية والتدريب والبرامج الاجتماعية والشفافية نحو المحافظات الاقل نموا، سوف يحد من احساس الشباب بالياس ويعزز شعورهم بالمشاركة.

وتشير نتائج الجولة الرابعة لمسح العمالة والبطالة لعام 2002 ان معدل البطالة بين افراد قوة العمل الاردنية بلغ 14% للمجموع، (14 للذكور و 20 للاناث). وتدل النتائج غعلى ارتفاع معدلات البطالة في الفئة العمرية (15-24) سنة حيث تبلغ 54.7%، وهذا يؤشر الى قضية خطيرة وهي ان البطالة ظاهرة مستفحلة في اوساط الشباب، وبلغت اعلى معدلات البطالة حسب الحالة التعليمية للمستوى اقل من الثانوية العامة، حيث بلغت 16.3% ثم حملة الثانوية العامة 14.3.

ان ارتفاع معدلات البطالة ادت الى مشكلات اجتماعية تزداد استفحالا بمرور الوقت. وهذا يشكل احد التحديات التي تواجه سوق العمل الاردني، اضافة الى تحديات تزايد وتضخم مخرجات التعليم العالي وعدم قدرة السوق على استيعابها وازدياد العمالة الوافدة في سوق العمل الاردنية وازدياد بطالة الاناث مقارنةب الذكور.

كما تعتبر الجريمة من اهم الاثار التي تترتب عن البطالة والفقر، حيث تضاعف جحمها حوالي ثلاث مرات خلال التسعينات من القرن الماضي، وكذلك التسول والتشرد وانحراف الاحداث وتعاطي المخدرات وتداولها، بمعدل زياد سنوية مقدارها 12% وتحدث اغلبية هذه الانحرافات في اوساط الاحدااث والشباب. والارتفاع التدريجي لمعدلات الجريمة لا يعود الى لالنمو السكاني الطبيعي فحسب، بل لعوامل اخرى مثل ارتفاع نسبة الفقرة والبطالة والاكتظاظ السكاني.

تطوير نظرة الحكومة الى منظمات المجتمع المدني (والمنظمات غير الحكومية عموما) باعتبارها شريكا وليس خصما للحكومة وتحديث القوانين الناظمة لها، بما يضمن لها فرص المشاركة في عمليات التنمية والتحديث، والقيام باعباء تقوم بها الحكومة سابقا، من خلال عقود ما بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية، وتشجيع المزيد من المبادرات المشتركة والشراكات.

مؤشرات للمستقبل:
تلاعب بعض المنظمات ذات الطابع الدولي وصناديق التمويل الاجنبية دورا محفزا لمنظمات محلية، مثل مبادرة رؤية "الاردن 2020" الذي هو نتائج برانامج امير و USAID ومنظمة غير حكومية لرجال الاعمال الشباب (جمعية الرواد الشباب YES). وكذلك برنامج (Injaz) الشبابي وهو حصيلة تعاون منظمات غير حكومية دولية مثل Save the Children وجهود شبابية محلية. ويمكن الحديث في هذه الايام عن برامج ومبادرات اخرى مشابهة على صعيد صناعة البرمجيات والتجارة الحرة ودعم المشروعات الصغيرة.

ان خطاب منظممات المجتمع المدني، ولا سيما المؤسسات ذات الطابع الانتاجي الاقتصادي، وتوجهاتها لاستقطاب قطاع الشباب ما زال بعيدا كل البعد عن الرؤيا الملكية الواردة انفا، والتي تتجاوز كثيرا جوانب النشاطات الرياضية، وتسعة الى دمج القطاع الشبابي في اسياق الوطني من حيث الاسهام في فعاليات القطاع الخاص وتوفير فرص التدرب على المهارات الحديثة وتوفير فرص العمل المنتج. بل ان هذا الانقطاع النسبي بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الشبابي قد تسبب في عزوف الشباب من الجنسين عن هذه المنظمات.

ان هناك ضرورة ماسة للتنسيق بين المجلي الاعلى للشباب والمجلس الاعلى للاعلام للبدء بحملات من التوعية والتوجيه على الجانب الاعلامي بصورة خاصة لخلق تواصل وتفاعل مكثف بين الجانبين المدني والشبابي، وتعريف الاسرة الاردنية بدور هذه المنظمات الانتاجية لحفز الشباب من خلال الاباء على المشاركة الفعالة في الانشطة الاقتصادية للمجتمع الاردني.
 
 
ورقة عمل قدمت الى مؤتمر "النقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الاردن " الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 24-25/ايار 2003 الاردن,عمان.