A+ A-
روسيا تعدل من نظريتها العسكرية للمرحلة القادمة

2007-02-26

بقلم:الدكتور مارسيل دي هاس
ترجمة مركز القدس للدراسات السياسية

في العشرين من كانون الثاني 2007 عقدت الأكاديمية الروسية للعلوم العسكرية مؤتمرا لها في موسكو، وفي المؤتمر قدم رئيس الأكاديمية الجنرال " محمود جارييف " ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال " يوري باليوفسكي " واللذان قدما المبادئ الجديدة للعسكرية الروسية، والتي ستنشر في نسختها المنقحة مع نهاية صيف هذا العام والتي من المقرر لها أن تحل مكان المبادئ الحالية والتي صادق عليها فلاديمير بوتين في 2000. والقضية الملفتة للانتباه هي الجهود الواضحة في تعزيز القوة العسكرية وموقفها من القضايا الأمنية ضمن دوائر اتخاذ القرار الروسية، وعلاوة على ذلك فلا عجب أن المداخل الأولى للعقيدة الروسية الجديدة تماثل العلاقة الحالية والمعقدة بين الغرب وروسيا.

تطور النظرية الجديدة:بعد الاعتداءات الإرهابية في " نورد – اوست " في 2002 و في " بيسلان " 2004 ، أمر الرئيس بوتين بإعادة النظر بالإستراتيجية السياسية للدولة، ومفهوم الأمن الوطني، والوثائق الأمنية ذات العلاقة. وفي 2005 أمر الرئيس بوتين بمراجعة النظرية العسكرية الروسية. و في آب 2006 ظهرت بعض التقارير في الصحافة الروسية تشير إلى مشروع القانون الجديد المتعلق بالنظرية العسكرية الجديدة لروسيا والتي من المتوقع أن تكتمل في 2007. بيد أن هذه التقارير والتي نفاها وزير الدفاع الروسي في حينه سيرجي ايفانوف. ومع الإعلان عن مشروع القرار للنظرية الجديدة في كانون الأول يبدو أن التقارير كانت صحيحة في نهاية المطاف. وفي مؤتمر موسكو تم الإعلان أن النظرية الحالية الصادرة في عام 2000 أي قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر بحاجة للمراجعة بسبب التدهور في الأوضاع الأمنية الدولية منذ ذلك التاريخ.

التهديدات:
لقد لاحظت العسكرية الروسية أن التعاون الأمني مع الغرب لم يؤد إلى أي انخفاض في عدد التهديدات العسكرية. واستنادا إلى" بالويفسكي " والتهديدات الحالية القادمة من واشنطن فهو يقول: "إن عمل للولايات المتحدة تجاه القيادة العالمية ورغبتها في الحصول على موطئ قدم في المناطق التقليدية للوجود الروسي". والخطر القادم هو التهديد المتمثل بتوسيع كتلة حلف شمال الأطلسي والتوجه شرقا والحقيقة القائمة بأن هذا التحالف أصبح طرفا في النزاعات المحلية القريبة من الحدود الروسية،وثمة خطر آخر يتمثل في ازدياد انتشار المعلومات العدائية المتعلقة بالسياسات الروسية. إن الإرهاب والانفصالية تذكر فقط للتقليل من قائمته وجارييف للتهديدات.لقد كان "محمود جارييف" أقل جرأة في الحديث عن التهديدات القادمة من الغرب، واختار أن يذكر فقط التهديدات العامة منها. وبالنسبة له كانت الأولوية بالتهديدات التي قد تنجم عن بعض القوات الدولية وتوجيه الدول للمساس بسيادة روسيا، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي ومصالح موسكو الأخرى، فضلا عن الضغوط السياسية والإعلامية وتقويض نشاطاتها في هذا الإطار. كما أن التهديد المتمثل بأمن الطاقة هو تهديد ذو طابع حيوي ومهم، خصوصا في ظل أخذ الدوائر القيادية بحلف شمال الأطلسي التغيرات بأسعار مصادر الطاقة على أنها أحد إشكال العدوان عليها.

أما التهديد الثاني على قائمة جارييف فقد كان يتحدث عن الأسلحة النووية وغيرها الناجمة عن بناء الدفاعات المضادة للصواريخ، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. وفي النهاية فان جميع الحاصلين على الأسلحة النووية تقريبا سوف يوجهوها نحو روسيا.

والتهديد الثالث يتمثل في بدء الصراعات المسلحة والآن حتى الحروب الواسعة النطاق تعتبر تهديدا، وهذا الخطر ينبع من دوافع القوى العظمى بتحقيق التفوق العسكري ووجود أعداد كبيرة من الوحدات العسكرية قرب الحدود الروسية، مما أدى إلى تغيير التوازن العسكري. وأخيرا هناك الحقيقة التي تتحدث عن توسيع حلف شمال الأطلسي لنطاق أنشطته والسعي للعمل على نطاق دولي في هذا السياق والذي تعتبره روسيا خطرا يهددها.

علاوة على ذلك فقد دعا " محمود جارييف " إلى مقارنة النظرية العسكرية الروسية الجديدة مع غيرها من النظريات العسكرية للإطراف الأساسية في مجال الأمن الدولي مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، وذلك من أجل أن تشمل النظرية العسكرية الروسية الجديدة الفقرات والبنود للتهديدات المشتركة، منها على سبيل المثال الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك سبل مواجهة التهديدات، كما دعا " جارييف " إلى تقسيم العمل بين الشرق والغرب من خلال تحديد مجالات المسؤولية بين حلف شمال الأطلسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتحالف العسكري الذي تقوده روسيا " مجموعة الدول المستقلة" والذي يضم بصورة أكبر أرمينيا، بيلاروسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة في آسيا الوسطى باستثناء تركمانستان.

العقيدة العسكرية الجديدة مقابل الإستراتيجية السياسية:في نسخها الصادرة في عامي 1993 و 2000 كانت العقيدة السياسية تفصل بين التهديدات العسكرية والإجراءات عن باقي الأبعاد الأخرى مثل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وغيرها من المعاني الأخرى التي لا تتسم بالعنف وذلك لمنع الحروب والنزاعات. كما أن الدوائر الأمنية الأخرى فهي من الناحية التقليدية تتبع في أهليتها وجدارتها إلى مفهوم الأمن القومي والإستراتيجية السياسية الروسية. لا شك أن تطور الوضع الأمني الدولي قد اظهر أن الإنقسام في التهديدات والإجراءات ذات العلاقة قد بدأ بالتلاشي. وهذا بدوره يقود إلى الاستنتاج القائم على أساس إما أن تكون هذه الأبعاد مرتبطة جميعا " التهديدات الأمنية العسكرية والغير عسكرية " ويجب التعامل معها من خلال النظرية العسكرية أو التعامل معها من خلال توحيد الأمن القومي والنظرية العسكرية لتصبح وثيقة واحدة، وربما يجري تسميتها بالنظرية الدفاعية أو الأمنية.

وكما نوقش من قبل وبعد الهجمات الإرهابية في عامي 2002 و 2004 فقد أمر الرئيس بوتين بإجراء مراجعة لمفهوم الأمن القومي. ولكن وبعد تقرير أيغور ايفانوف أمين مجلس الأمن للإتحاد الروسي الصادر في شباط 2005 حول المحتويات الأولية لمفهوم الأمن القومي، لم يسمع شيء منذ ذلك الحين حول مشروع الوثيقة. وفي مؤتمر موسكو أشار جارييف إلى التأخير القائم في إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي وان مراجعة النظرية العسكرية يجب أن تتم أولا.

تعزيز القوة العسكرية:وطبقا " لباليوفسكي ، وجارييف " فان مواجهة التهديدات القائمة تتطلب العمل على تعزيز المؤسسة العسكرية الروسية على الصعيدين المالي والسياسي، ومن اجل القيام بذلك فلا بد من تعزيز القدرات النووية الروسية، بالإضافة إلى تعزيز قوام القوات المسلحة من زيادة ميزانية الدفاع من 2.5 ٪ إلى 3.5 ٪ من مجمل الدخل القومي وتوسيع القدرة على التعبئة، كما ينبغي العمل أيضا على تعزيز موقف وزير الدفاع.

إن النظرية العسكرية ترى تعزيز موقع وزير الدفاع من خلال ترقيته إلى منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعلى اعتبار أن القائد الأعلى هو منصب رئيس الجمهورية، فإن هذا الإقتراح سوف يشمل منح وزير الدفاع منصب رئيس الجمهورية، وكما يجب أن تكون قيادة كافة الأجهزة الأمنية الروسية بيد مجلس الأمن للإتحاد الروسي يجب أن يكون قائدا لكافة أجهزة الأمن الروسية الأمر الذي لم يحدث في السنوات الأخيرة، ولرفع مستواها إلى هذا الحد يجب أن تكون قيادة مجلس أمن الاتحاد الروسي تحت القيادة الإدارية لنائب الرئيس.

النظرية كوثيقة رائدة:
إن تطور النظرية العسكرية وتسلسلها مع مفهوم الأمن الوطني والمحتويات الأولية للنظرية هي عبارة عن محاولة واضحة من قبل الجيش لزيادة نفوذهم ضمن إطار النخب الأمنية الروسية، إن التطور الحالي للعقيدة العسكرية يحمل في طياته تشابها مع العقيدة التي كانت سائدة في 1999-2000. ومن الناحية النظرية فانه يترتب على الدولة في البداية أن تقوم بصياغة إستراتيجيتها السياسية قبل أن تضع نظريتها العسكرية والتي يجب أن تأتي متوافقة مع الإستراتيجية الكبرى ومستمدة منها. يمكن القول أن الجيش من الناحية التقليدية كان له تأثير أساسي على السياسة الأمنية للدولة، وللبقاء في واجهة السياسة الأمنية، فقد تمكنت المؤسسة العسكرية في 1999 من تجنب مجلس أمن الإتحاد الروسي وإبراز مشروع النظرية العسكرية المعدلة قبل صياغة ومراجعة المفهوم الأمني وصدوره للعلن. وبعد أن تسلم السلطة من بوريس يلتسين فإن الرئيس فلاديمير بوتين في 2000 أعاد الأمر المتعلق بضرورة التصديق أولا على النسخ النهائية للوثائق الأمنية لمفهوم الأمن الوطني ومن ثم التصديق على النظرية العسكرية.

إن التطور الحالي للوثائق الأمنية يبدو أنه نسخة مكررة لما كان في 1999. ولأسباب غير معروفة تم تأخير صياغة الإستراتيجية السياسية ولكن وبدلا من انتظار الصياغة كانت المؤسسة العسكرية قد قطعت شوطا كبيرا على صعيد إطلاق نظريتها العسكرية الجديدة والتي وطبقا للبيانات الصادرة عن كلا الجنرالين أنها من المرجح أن تشمل التهديدات التي لا تحمل الطابع العسكري وكذلك الإجراءات والتي في الواقع تنتمي لمفهوم الأمن الوطني. وبالتالي فان الجيش يعزز موقفه على ما يبدو مع بوتين لإقرارها.

وزير الدفاع الثاني في القيادة:
إن الدعوة إلى جعل وزير الدفاع نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة ، وكذلك نائبا للرئيس يشبه محاولة أخرى لزيادة فعالية وثقل الجيش في آلية اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن. ودون شك أن جزءا من أسرار الكرملين يقع في السؤال فيما إذا كان هذا المقترح مقصودا به سيرجي ايفانوف قبل ترقيته مؤخرا إلى منصب النائب الأول لرئيس الوزراء وهو منذ ذلك الحين فهو لم يعد وزيرا للدفاع.وهذا لا يعني السيطرة فقط على الجيش ولكن أيضا على القوات الأخرى المعروفة بقوات وزارة الداخلية مثل جهاز الأمن الاتحادي ووزارة الداخلية بالإضافة إلى مجمع الصناعات العسكرية، إن ترقية ايفانوف إلى منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة ونائب الرئيس سيكون ذلك قد تم وفقا لآلية تعزيز قوته التي جرت في السنوات الأخيرة ضمن التحضيرات القائمة لإعداده لمنصب الرئاسة كواحد من "الأمراء المتوجين" للرئيس بوتين، وعلى أية حال فقد تطورت الأمور بصورة مختلفة.من الواضح أن الرئيس بوتين قد قرر توسيع سلطات إيفانوف وزيادة خبرته من خلال منحه منصبا في الاقتصاد الوطني وبما يخوله ذلك المنصب من سلطات على البنى التحتية للطاقة، بالإضافة أيضا إلى أمن الطاقة، وهي ذات مغزى خاصة أن الطاقة بالإضافة إلى القوة العسكرية أصبحتا بصورة واضحة الأداة الأساسية للقوة والسلطة. ولذلك فان هذه النقلة في الحياة المهنية لايفانوف قد تلغي المقترح الوارد في النظرية الجديدة الذي ينص على زيادة سلطات وزير الدفاع.

إدراك حقيقة التهديد:
إن المداخل الرئيسية للتهديدات تعود على الغرب عموما وعلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي " الناتو " على وجه التحديد .. وهذا يتفق مع تدهور العلاقات بين روسيا والغرب. ومع ذلك فان المداخل المعادية للغرب ليست جديدة وبذلك فهي ليست مدعاة للإثارة أو الهلع، وهناك العديد من المقاطع والعبارات التي استخدمت من قبل في النظرية العسكرية الحالية التي أقرت في 2000. بالإضافة إلى هذا فهناك العديد من وجهات النظر المثيرة وينبغي الإقرار بها وأخذها على محمل إيجابي. إن المطالبة بعقد مقارنة مع المفاهيم للتهديدات الواردة في النظريات العسكرية للإطراف الرئيسية الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من شأنها أن تظهر الرغبة الروسية بالتعلم من الآخرين وأنها لا تعبر نفسها بمعزل عن الآخرين.
وارتباطا مع هذا الإقتراح فإن ذلك يعني إنشاء قسم في مجالات المسؤولية بين حلف شمال الأطلسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. مع أن هذا وبلا شك سوف يكون مرفوضا من حلف شمال الأطلسي والذي استنادا لمفهوم الحلف الاستراتيجي فان الدولة العضو تعتبر نفسها مسؤولة بصورة غير محدودة عن المنطقة الأوروبية الأطلنطية .. و الحقيقة أن التشجيع الروسي على التعاون والشراكة بين جيشها وقوات الحلف قد تكون مفيدة في المستقبل القريب ولكن الأهم في هذا الإطار يظهر الآمال الروسية في استمرار الامن الجماعي مع الغرب.

وسمة أخرى مهمة تتمتع بها هذه النظرية الجديدة هي الاعتراف بانعدام إمكانية التمييز بين الأمن الداخلي والخارجي والتهديدات العسكرية وغير العسكرية والردود المقابلة. وكما يفعل خبراء النظريات من الغربيين فان نظرائهم من الروس يدركون أيضا بان الأمن شامل لجميع الأبعاد، وتمشيا مع هذا الطرح تأتي الدعوة بتعزيز وضع مجلس الأمن للاتحاد الروسي وهو الجهاز الذي يقدم خدمة شاملة لجميع الإدارات ويرد على التحديات الداخلية والخارجية، و تثبت هذه المداخل مرة أخرى بان الجيش الروسي عينه مفتوحة على التطورات الأمنية الدولية، والإعتراف بقيمة التحليلات الأخرى.

ولذلك فان المحتويات الأولية للنظرية العسكرية الروسية الجديدة تدل على حقيقة أن الجيش الروسي دمج الخبرات الدولية مع طبيعة تفكيره الأمني والتي يمكن اعتبارها بمثابة تطور إيجابي. و سيكون من المثير رؤية الكيفية التي تتطور بها مسودة النظرية العسكرية خصوصا فيما يتعلق بموقع الجيش كجزء من النخبة الأمنية باعتبارات النظرية العسكرية بالمقارنة مع مفهوم الأمن الوطني.

-المصدر:www.piner.com

beaver creek web solution