يشتمل التيار الإسلامي في الأردن على مكونات عدة، أهمها على الإطلاق من حيث الوزن والتاريخ والحضور والتأثير، جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، على أن هذا التيار يضم حركة دعاء وحزب الوسط الإسلامي، فضلا عن أحزاب وجماعات محظورة أو "غير متبلورة" كحزب التحرير والحركات السلفية، بالإضافة إلى شخصيات سياسية واجتماعية مستقلة.هذه الورقة، تتناول تجربة الحزب والجماعة على وجه الحصر، وهي تقدم بقليل من الصراحة والمكاشفة، الأفكار والفرضيات التالية للجدل والحوار:
- تميزت العلاقة التاريخية بين الحركة الإسلامية الأردنية، ممثلة على نحو خاص بجماعة الأخوان المسلمين، والنظام السياسي الأردني بحكوماته المتعاقبة بالتعايش والانسجام ، ولذلك أسباب أهمها :
1. مقتضيات الحرب الباردة، وحاجة الطرفين لمواجهة المد الشيوعي والبعثي والناصري في مرحلة ما قبل الهزيمة (67 ).
2. صعود المقاومة الفلسطينية وتنامي النزعة الاستقلالية الفلسطينية، عزز التقارب بين الطرفين فالإخوان لم ينخرطوا في العمل المقاوم وناهضوا فكرة الاستقلالية الفلسطينية للأسباب عقيدية تجلت لاحقا في رفض فك الارتباط، والنظام السياسي الأردني لم يكن قد تخلى عن "دوره الفلسطيني المباشر".
3. الطبيعة اللاعنفية، الوسطية للحركة الإسلامية الأردنية.
4. الطبيعة المتسامحة نوعا، للنظام السياسي الأردني، وانتهاجه سياسة احتواء معارضيه بدل إقصائهم.
-وفرت هذه العلاقة للطرفين ميزات وفوائد عديدة منها:
للإسلاميين:
1. تمتعوا بحرية حركة واسعة نسبيا في مرحلة تميزت بالملاحقة والمطاردة على امتداد الساحة العربية.
2. تمكنت الحركة من إنشاء بنية تحتية، وخلق أجيال متعاقبة من الأردنيين الموالين لها، سيما وأن ركزت نشاطها على الجوانب التعليمية والتربوية والخدمية الصحية والاجتماعية، وكانت إلى حد كبير جزءا من بينة النظام السياسي الأردني.
3. استفادت الحركة من غياب وتغييب بقية ألوان الطيف السياسي – الفكري الأردني عن ساحة العمل العلني الطليق.
للحكم:
1. وفرت العلاقة للحكم القدرة على احتواء موجات متعاقبة من المد اليساري والقومي.
2. جنبت البلاد موجات من التصادم مع الإسلاميين شهدتها دول عدة في المنطقة، وأضعفت فرص نشوء تيارات أصولية متطرفة وعنفية.
3. ساعدت الحكم في استيعاب موجة المد الفلسطيني المقاوم، ووفرت له ذراعا هامة في مواجهة منظمة التحرير ونفوذها المتزايد داخل الأرض المحتلة وفي الأردن في مراحل مختلفة.
4. عززت العلاقة واحدة من أهم "شرعيات" نظام الحكم في الأردن: الانتساب للدوحة النبوية.
على أن ما يعتقد أنه مكاسب حققها طرفا المعادلة، سيتحول في أزمنة لاحقة، إلى واحدة من نقاط التشابك والخلاف، سيما مع بروز إرهاصات التباعد والتفارق بين الخطابين الرسمي والإسلامي...وبعض المزيا التي وفرتها تجربة الائتلاف تحولت إلى أعباء في زمن الاختلاف.
وهنا نشير إلى النقاط التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1. تحول الوجود الكثيف، النشط والمنظم للحركة الإسلامية إلى مصدر قلق سياسي، وأحيانا أمني بالنسبة للحكومات المتعاقبة، واتخذت منه ذريعة أو سببا لتعطيل بعض مسارات التحول الديمقراطي في الأردني وسن قوانين مقيدة لهذه التحولات، سيما بعد اتساع شقة الخلاف بين المواقف الإسلامية المعارضة والمواقف الرسمية حيال المنعطفات الكبرى في الأردن والمنطقة والعالم من جهة، وتنامي إحساس الجماعة بحاجتها للعب دور سياسي أكبر، ينسجم مع حجم نفوذهم وتأثيرهم.
2. تحول إخوان الضفة الغربية والقطاع إلى عبء على السياسة الأردنية التي نظرت إليهم يوما كذراع ورافعة من أذرعها.
3. ساد ميل لدى بعض التيارات في الحركة للتنصل من "ماضي التعايش والانسجام والتساوق" بالانقضاض على التجربة برمتها، وصياغة تاريخ العلاقة بأثر رجعي ، لاشتقاق مواقف معارضة بقوة وتبرير انتهاج سياسات متشددة.
4. زاد الأمر تعقيدا، غياب كتل حزبية أخرى معادلة موضوعيا في أوزانها ونوفوذها لهذا التيار.
بعد انتهاء الحرب الباردة، وزوال الخطر الشيوعي، انتقلت هذه العلاقة بين معظم تيارات الإسلام السياسي في العالم من جهة، والغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة من جهة ثانية ، من ضفاف التعايش والانسجام، إلى المواجهة بمختلف أشكالها ومستوياتها، ولم يكن الأردن بمنأى عن هذا التحول الأخطر الذي ميز المشهد الدولي منذ أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وحتى يومنا هذا، وقد تعزز ذلك بفعل جملة عوامل أهمها:
1. إعادة تعريف العدو في دوائر حلف الأطلسي والولايات المتحدة، ليصبح الإسلام السياسي، الجهادي، العنفي، الإرهابي بديلا عن الاتحاد السوفياتي ومنظومته ... الخطر الأخضر والأسود، حل محل الخطر الأحمر.
2. بروز تيار الإسلام السياسي الشيعي الجهادي، في أواخر السبعينييات وانتشار رقعته بعد انتصار الثورة الإيرانية.
3. امتداد هذا التيار بتأثيره إلى بعض الدوائر السنية، وتأثر حركات سلفية عديدة بروحه وممارساته.
4. صعود الحركة الوهابية وتنامي دورها في أفغانستان ودور آسيوية عدة والتقائها هناك بتيارات تدين بالولاء لأبي الأعلى المودودي.
5. حرب الخليج الثانية وما أفضت إليه من حضور أمريكي كثيف ومستفز للبنى المحافظة والدينية للمجتمعات الخليجية.
6. عملية السلام في الشرق الأوسط المثيرة للخلاف.
7. الحرب الأمريكية على أفغانستان كحلقة في حربها الأشمل على ما يسمى بالإرهاب والإسلام الراديكالي.
8. الحرب الأمريكية على العراق وما نشهده هذه الأيام من تداعيات وانعكاسات لفصولها المتعاقبة.
في الأردن:كان من الطبيعي أن تنعكس جميع العوامل والأحداث سابقة الذكر على الأردن، وأن تترك بصماتها الثقيلة على العلاقة بين الحكم والحركة ... وأن تؤسس لدخول هذه العلاقة مرحلة جديدة من الشد والجذب، عض الأصابع أحيانا واستعراضات القوة أحيانا أخرى ... فقد خرجت العلاقة التاريخية من وضعية التعايش والانسجام ، بل والتكامل كما يقال، إلى ضفاف جديدة ، نعيشها اليوم، وثمة أسباب إضافية أو خاصة أسهمت في إحداث هذا التحول أردنيا على وجه الخصوص من بينها:
1. في كثير من المحطات العديدة السابقة، وقف الحكم والحركة عل طرفي نقيض ، وباستنثاء الموقف الموحد في حرب الخليج الثانية، لم تكن المحطات السابقة أو اللاحقة التي سيأتي ذكرها، موضع اتفاق وتوافق بين الجانبين.
2. انطلاق عملية السلام بعد حرب الخليج الثانية ، وبروز إرهاصات الحل السياسي للصراع العربي الإسرائيلي، وما أثاره ذلك من رفض سياسي وعقيدي لدى كثير من الحركات والتيارات الإسلامية، ومن بينها، بل وفي مقدمتها الأردنية.
3. دخول الحركة الإسلامية في فلسطين على خط الكفاح المسلح وانطلاق حركة حماس وتنامي تأثيراتها في الداخل الأردني، وبالتحديد "الإخواني"، سيما في الانتفاضة الفلسطينية الثانية المستمرة حتى يومنا هذا.
4. وبدرجة أقل، تجربة حزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، اللتان وإن كانتا موضع تقدير للحركة الإسلامية الأردنية، إلا أنهما لأسباب مذهبية بالنسبة للأول وربما سياسية بالنسبة للثانية، لم تحظيا بتأثير كبير في تشكيل توجهات الحركة وصياغة تلاوينها.
5. اتجاه الخطاب الإسلامي الأردني للتساوق مع الحركات السلفية الجهادية ، تحت تأثير الأجيال الشابة من الحركة التي لم تختبر مزايا مرحلة التعايش والانسجام.
6. استقواء التيارات الصقرية داخل الحركة والجماعة بوجود قيادات حماس في الأردن لردح من الوقت، واستمرار التأثير السياسي والمعنوي لحماس على الحركة الإسلامية الأردنية.
7. التركيبة الديمغرافية للحركة الإسلامية، واتساع قواعد نفوذها في المخيمات الفلسطينية، أحدث تأثيرا هاما على مواقف الحركة الإسلامية وأجنداتها وأولوياتها، ومكن تياراتها الصقرية من الاضطلاع بدور كبير.
8. ضعف التلاوين السياسية والفكرية الأخرى، عزز ما يمكن وصفه "بالنزعة الإستعلائية" للحركة ... ولم يولد لديها الحاجة للتجديد والمواءمة والتكيف ... بل ولم يعزز لديها الحاجة لصياغة برامج عمل اقتصادية اجتماعية تعالج هموم البلاد والعباد .. ما أبقى الميل عند الحركة بارزا للاكتفاء بالشعارات الكبرى المعروفة.
9. غياب رؤية منهجية لدى الدولة الأردنية في السنوات الأخيرة لكيفية التعامل مع التيار الإسلامي ... غلبت المعالجات البيروقراطية – الإدراية – الأمنية ، وغياب المعالجات ذات الطابع السياسي – الثقافي – الفكري والاجتماعي، ما ولد إحساسا لدى الحركة بالاستهداف، ودفعها للتصعيد في كثير من الأحيان لدواعي دفاعية.
10. وفي المقابل، غاب الجهد الفكري – السياسي التجديدي عند الحركة ، ليحل محله استخدام ملتبس لسلاح الإفتاء بديلا عن المعالجة السياسي والحوار السياسي.
راهن العلاقة بين الحركة الإسلامية والحكم والحكومات في الأردن يتميز بما يلي:
1. تمسك الجانبين بسياسة التعايش المفتوح على احتمالات التصعيد والمواجهة ، ويمكن القول أنه برغم اتساع شقة الخلاف بين الجانبين في القضايا الأساسية ، إلا أنهما أبديا انضباطا ملحوظا لقواعد اللعبة وتاريخ العلاقة.
2. الحركة الإسلامية لديها ما تخسره إذا ما ذهبت بالتصعيد حد تجاوز "الخطوط الحمراء" ... ثم أنه الحركة تحتفظ بداخلها بتيارات واقعية رشيدة، لم تفلح التيارات الصقرية في الإطاحة بتأثيراتها ونفوذها ، وقرار المشاركة في انتخابات البرلمان الرابع عشر مؤشر على ذلك.
3. الحكم في الأردن ما زال قابضا على سياسة الاحتواء ... والحكومات تترجم هذه السياسة بقدر متفاوت من النجاح والفشل ... على أن هذه السياسة تفتقر للمعالجات الشمولية ، وتتسم أحيانا بالنزوع الانفعالي أو الأمني أو الفوقي.
4. المجتمع بتلاوينه المختلفة، غائب أو مغيب إلى حد كبير عن التدخل الواقعي في تقرير أشكال ومصائر العلاقة بين الحركة الأسلامية والنظام السياسي في الأردن، فالتيارات الأخرى ضعيفة أو غائبة، والحكومات اعتادت القيام بدور المجتمع نيابة عنه ... ومسارات العملية الديمقراطية وديناميكياتها لم تفعل فعلها في تدوير الزوايا الحادة للقضايا موضع الخلاف والاختلاف.
5. مناخات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، ما زالت تفعل فعلها في صياغة صورة العلاقة بين الحكومات والحركة الإسلامية.
مستقبل العلاقة بين الحركة الإسلامية والنظام السياسي الأردني، يعتمد على جملة متغيرات أهمها:
1. التغييرات التي ستطرأ على توجهات الحركة الإسلامية وخطابها ... حركة توازنات القوى في داخلها ... مصائر التيارات الإسلامية الأخرى غير الإخوانية .
2. التطورات التي ستطرأ على المسار الديمقراطي الأردني ، ومدى النجاح المتحقق في مأسسة عمليات التحول الديمقراطي والحفاظ على وتيرة نامية لها، وما يمكن لكل هذه التحولات أن تحدثه من أثر على تطور الحركة الإسلامية وخطابها، على تطور الخطاب والأداء الحكوميين، وعلى دور القوى والتيارات الأخرى، سيما الديمقراطية منها.
3. التطورات التي ستنتهي إليها المنطقة، سيما مستقبل عملية السلام وما تستتبعه من تغيرات على مواقف حماس ودورها، مواقف حزب الله ودوره ...ومصائر الأزمة العراقية وما سيشهده العراق من حراك سياسي – فكري – اجتماعي – طائفي ، وعلاقاته مع جواره الإسلامي والعربي ، ومصائر الوجود الأمريكي على أرضه.
سيناريوهات العلاقة المستقبلية:
• السيناريو الأول: المشاركة والاحتواء تتعزز فرص هذا السيناريو بالعوامل التالية:
1. توقع حدوث اختراق على مسارات السلام في المنطقة، وبشكل خاص في فلسطين ... وامتداد خريطة الطريق إلى مزارع شبعا والجولان.
2. نجاح العراقيين في حكم أنفسهم بأنفسهم، وخلق نظام سياسي مستقر في العراق يمهد لجلاء القوات الأمريكية.
3. تطور مسارات التحول الديمقراطي في الأردن، فالديمقراطية والمشاركة هما أقصر طرق الاحتواء وأضمنها، والمعالجات الأمنية – البيروقراطية المعزولة عن أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية هي طريق الإقصاء وإنتاج التطرف والغلو.
4. يفترض هذا السيناريو أن التحولات الديمقراطية العميق، ستفضي إلى نشوء قوى سياسية جديدة، تنهي حالة تفرد الحركة الإسلامية بمقاليد القرار والأغلبية في مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، وتؤسس لاستعادة التوازن وتفتح الباب لإمكانية تداول السلطة.
5. يفترض هذا السيناريو أن تطورا ملموسا سيطرأ على خطاب الحركة الإسلامية، وأن اتجاهات تطورها اللاحق ستذهب بها إلى ضفاف قريبة من الضفاف التي بلغها "الإسلام السياسي التركي" .
6. ويفترض هذا السيناريو أن نتائج الحرب على العراق، ومن قبل أحداث الحادي عشر من سبتبمر أيلول في الولايات المتحدة والحرب الأمريكية على أفغانستان، جميعها تطورات تصب موضوعيا في اتجاه "عقلنة" الخطاب السياسي الإسلامي، إن وجدت من بين الإسلاميين من يقف أمام مغزى هذه الأحداث ودلالاتها.
7. يفترض هذا السيناريو أن خطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط الأمريكية بدءا من البوابة العراقية، ستلقي بمزيد من الضغوط على الدول والمجتمعات العربية للتحول نحن تعددية وديمقراطية وإصلاح سياسي من طراز معين، على أنه يملي في المقابل "تكيفا" ضروريا من قبل التيارات الإسلامية في هذه الدول، وسعيا حثيثا منها للتلائم والمواءمة مع قواعد اللعبة الجديدة.
8. يفترض هذا السيناريو احتفاظ الحركة الإسلامية بدورها المعارض داخل التركيبة السياسية الأردنية، وهي معارضة قد تعززها عناصر التجاذب والاختلاف بين البرامج الانفتاحية للحكومات المقبلة، خصوصا في الحقول الاقتصادية والاجتماعية، وربما الثقافية والتربوية من جهة، ورؤى الحركة الإسلامية من جهة ثانية.
• السيناريو الثاني: المواجهة والإقصاء:
1. يفترض هذا السيناريو بلوغ خطة خريطة الطريق جدار مسدودا، واستمرار المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انهيار معسكر السلام والمعتدلين داخل السلطة وتنامي دور حماس في المجتمع الفلسطيني، ما كل ما يستتبع ذلك من تأزم على المسارات الأخرى واستمرار لغة التصعيد والمواجهة .
2. يفترض هذا السيناريو، تأزم المشروع الأمريكي في العراق، ونشؤ حركات مقاومة وطنية وأصولية سنية وشيعية، واحتمالات تورط سوريا وإيران في دعم هذه الحركات.
3. يفترض هذا السيناريو تعطل مسارات التنمية الديمقراطية الداخلية أو مراوحتها في نفس المكان، وغلبة المقاربات الأمنية تحت ضغط التطورات الإقليمية، ما يعني استمرار لغة الشد والجذب وعض الأصابع والتصعيد المدورس القابل للإنفلات في ظروف معينة.
4. يفترض هذا السيناريو، انعكاسات اقتصادية واجتماعية تؤثر سلبا على خطط التنمية الاقتصادية في الأردن، ما يفضي إلى توسيع جيوب الفقر والجوع، وينمي الإحساس باليأس والإحباط، ويؤدي إلى تحسين البيئة الاجتماعية لتنامي تيارات الغلو والتطرف داخل الحركة الإسلامية.
5. يفترض هذا السيناريو انتعاشا للحركات الإصولية في العالمين العربي والإسلامي، يتغذى بالضعف اللاحق الذي سيصيب الأنظمة العربية والإسلامية التي ستحمل مسؤولية الفشل في منع الانكسارات عراقيا وفلسطينا ... وستكون هذه الأنظمة مرة أخرى مطالبة بدعم المقاومات والحركات الوطنية، وفتح الحدود وإغلاق السفارات والاستجابة لنداء الجهاد.
6. ويفترض هذا السيناريو أيضا، فشلا محتملا لحروب واشنطن الكونية ضد الإرهاب، أو انتكاسة جدية لواشنطن في تحقيق مراميها.
• السيناريو الثالث: مزيج من التعايش والمواجهة:
1. وهو مزيج من النجاح والفشل ، التقدم والتراجع ، ممتد لسنوات عدة قادة ، ربما لعامين أو ثلاثة أعوام انتقالية ... سواء فيما يخص عملية السلام على مساراتها المختلفة أو مستقبل العراق والوجود الأمريكي فيه، بل ومستقبل ما يعرف بخطة الشراكة الأمريكية – الأوسطية، أو سياسة إعادة تشكيل الشرق الأوسط.
2. لا يفترض هذا السيناريو إقدام أي من فريقي العلاقة : الحكم والحكومات من جهة، والحركة الإسلامية من جهة ثانية، بإحداث تحولات نوعية في الخطاب والممارسة، حيث ستظل خطى التحولات والتغييرات مضبوطة على إيقاع حركة الإقليم المضطربة والانتقالية ...وسيظل التعايش المفتوح لاحتمالات التصعيد والمجابهة خيارا، ولكن وفقا لقواعد وضوابط لا يتجاوزها كلا الفريقين.
3. يفترض هذا السيناريو "تواقفا موضوعيا" بين الحكومات والحركة الإسلامية ينهض على احتفاظ الحركة بدور وتمثيل سياسيين بحدود معينة.
اتجاهات تطور الحركة الإسلامية الأردنية:
1. تكاد تكون اتجاهات تطور الحركة الإسلامية في الأردن متماثلة مع سيناريوهات العلاقة المستقبلية لعلاقتها بالنظام السياسي الأردني، إذا افترضنا أن تقرير وجهة تطور الحركة متروك للتفاعلات الإقليمية والدولية، وهو عامل لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه، بيد أن جهد واعيا ، فكريا وسياسيا ، تقوم به الحركة من داخلها، متظافرا مع جهد سياسي فكري تقوم به الأطراف والمكونات الأخرى في الساحة السياسية الأردنية، بمن فيها الحكومات ذاتها، يمكن أن يكون له أثر كبير في تحديد وجهة التطور اللاحق للحركة واتجاهات سيرها في المستقبل.
2. فالحركة الإسلامية من جهة مرشحة لاستقبال رياح التشدد والتطرف التي تهب عليها من الجوار القريب والبعيد ، وهذا الميل يتغذى بالتأزمات التي تصيب قضايا المنطقة، وتحديدا في فلسطين والعراق.
3. والحركة الإسلامية من جهة ثانية، مشدودة لإرث طويل من التعايش والانسجام مع الحكم والحكومات المتعاقبة، تمتلك موضوعيا مقومات التحول إلى حزب سياسي أساسي في البلاد، مندمج بنظامه السياسي الديمقراطي التعددي ، وقادر على الإنضواء لقواعد اللعبة السياسية المحلية، وهو بهذا المعنى مؤهل لدور يجعل منه واحدة من روافع الاستقرار الداخلي في البلاد، ومصد في وجه الحركات المتطرفة والمتشددة.
4. والحركة الإسلامية الأردنية من جهة ثالثة، مرشحة أيضا للاستمرار بدورها الحالي الذي يتسم بالمراوحة بين شروط التكيف مع قواعد اللعبة السياسية والديمقراطية وما تمليه من سياسات وبرامج وخطط عملية وطنية من جهة، والحفاظ عل خطاب إيديولوجي منشغل بالقضايا الإقليمية والصرعات الكونية وصدام الحضارات وتجلياته من جهة ثانية.
أي مستقبل نريد للحركة الإسلامية الأردنية؟:
1. لأن الحركة الإسلامية في الأردن، هي الأقوى والأكثر حضورا وتنظيما من بين الحركات والتيارات السياسية والفكرية الأخرى في المجتمع الأردني ... ولأن مصائر هذه الحركة واتجاهات تطورها اللاحق، أمر يخص الأردنيين جميعا، وليس الإسلاميين منهم على وجه الخصوص، طالما أن الأمر يتعلق بمصائر التعددية والديمقراطية ، ويتصل بأمن البلاد واستقرارها ومستقبلها، فإن الجدل بشأن مستقبل هذه الحركة واتجاهات تطورها ، لا يجب أن يقتصر على الإسلاميين وحدهم، بل يجب أن تنخرط فيه مختلف التيارات السياسية والفكرية الأردنية.
2. تقترح هذه الورقة أن وجهة التطور الأمثل لهذه الحركة، التي تخدم هدف التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعزز استقرار البلاد، وتمكن من تجاوز الشعور بالاستهداف من جهة وحالة الشك والريبة من جهة ثانية، تتمثل في تبني الحركة لبرامج سياسية واجتماعية واقتصادية تشتمل على تصور لمعالجة مختلف التحديات التي تحتشد بها الأجندة الوطنية الأردنية في المقام الأول، وليس الأخير بالطبع.
3. تقترح هذه الورقة نموذجا عصريا متطورا لتطور الإسلام السياسي، حزب العدالة والتنمية التركي نموذجا، بوصفه واحدا من النماذج الأكثر تعبيرا عن التأصيل الديمقراطي لحركة الإسلام السياسي، وعن القبول بالآخر، والتكيف مع قواعد اللعبة الديمقراطية وثوابت الدولة والوطن.
4. والورقة إذ تدرك أن أي نماذج خارجية غير قابلة للاستنساخ، فإنها تكتفي بالإشارة فقط إلى الوجهة والتوجه، مدركة في الوقت ذاته عيوب ومثالب التجربة في مختلف أبعادها المتصلة بالحركة الإسلامية والنظام السياسي التركي على حد سواء.
5. يملي هذا التوجه، اضطلاع نخب متميزة من قوى ومكونات الحركة الإسلامية في الأردن، بمهمة تطوير الخطاب السياسي، وإطلاق أوسع موجة من الجدل والحوار الداخلي حول مختلف عناوين العمل الإسلامي ... فمن دون وجود قيادات إصلاحية ناشطة، يصعب انتظار التطور التلقائي لهذه الحركة.
6. وبالقدر ذاته، تفترض هذه الورقة، أن تطور الإسلام السياسي لن يكتب له النجاح والتوفيق إلا إذا توافر عاملان اثنان رئيسان من بين عوامل أخرى عديدة: الأول، وجود مؤسسات مستقرة ترعى ثوابت الدولة والنظام السياسي والاختيارات الاستراتيجية بعيدة المدى ... والثاني، مسار ديمقراطي متجذر يلعب دوره موضوعيا في تقرير وجهة التطور الحديث للإسلام السياسي... الأمر الذي نعتقد بأنه يملي مسؤوليات إضافية على مؤسسات الحكم والدولة والحكومات المتعاقبة في أداء الدورين معا، وفي توفير هذين الشرطين ، كما يرتب مسؤوليات جسيمة على مختلف مكونات المجتمع الأردني.
7. وتقترح الورقة، الشروع في حوار متعدد الأطراف داخليا، مع التجارب الأخرى في العالمين العربي والإسلامي، بما يمكن من التعرف على مكامن القوة والضعف في هذه التجارب، ويمكن من تذليل العقبات التي تحول دون إنجاز التطور المطلوب والضروري على الخطاب السياسي الإسلامي.
-ورقة عمل قدمت الى ندوة "الاحزاب السياسية الاردنية ...الواقع والطوح" التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية بتاريخ 10-11/ايار2003 الاردن-عمان.