الاقليات الغير مسلمه في الخطاب الاسلامي المصري

2006-05-28

 
أولاً : الأحكام الشرعية التي ترتكز على قواعد الشريعة الاسلاميةينص القرآن الكريم على حرية المشيئة والإرادة في اختيارات الإنسان لموقفه من مسألة الإيمان والكفر: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف:29] وتوضح النصوص القرانية بوضوح كامل أنه: (لا إكراه في الدين) وأنه (ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) [يونس:99]. وتذكر الآيات الكريمة عن التواصل الاجتماعي الطبيعي بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد.. (وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم..) [المائدة:5]. وكذلك الزواج والمعاملات الكاملة في سياق الحياة الطبيعية.
 
وهذه الرؤية مبدأيه فيما يتعلق بالآخر الذي يختلف عقائديا مع جموع المؤمنين بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا.

كما تؤكد السنة النبوية (المصدر الثانى للتشريع الاسلامى) هذا المعنى تأكيدا لا يحتمل اللبس وهو ما أوضحه الرسول الكريم في مواقفه الفعليه مع غير المسلمين و لعل وثيقه (الصحيفة) التى قننت العلاقه بين المسلمين وغير المسلمين في مجتمع المدينة الأول (النموذج) تقطع بهذا الفهم ممارسة وتطبيقاً فنقرأ في أحد فقراتها (..أن ذمه الله واحدة يجير عليهم (المسلمين) أدناهم، وأن من تبعهم من اليهود لهم النصرة والأسوة، وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وأن على كل فريق نفقته، وأن عليهم النصرة على من حارب هذه الصحيفة...) وحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذى ينص على أن (من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم القيامة) ويقول أيضا: (من أذى ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة)، و(من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) وفى رسالته -صلى الله عليه وسلم- إلى أسقف نجران في اليمن (من محمد إلى الأسقف أبى الحارث وأساقفة نجران و كهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم، وصلواتهم، و رهبانيتهم، وجوار الله ورسوله لا يغير أسقفاً من أسقفيته ولا راهباً من رهبنايته، ولا كاهناً من كهانته، ولا يغيّر حقاً من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيئاً مما كانوا عليه.. على ذلك جوار الله ورسوله أبدأ فناصحوا واصطلحوا فيما عليكم غير مثقلين بظلم ولاظالمين ).

وكذلك كان صحابة رسول الله ومشهور هو عهد(ايلياء) بين عمر بن الخطاب والبطريرك (سفرنيوس). وتروي كتب السيرة أن أحد مساعدي عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان مسيحياً ودعاه إلى الإسلام فأبى ولم يجد (رضى الله عنه) أي غضاضة في إبائه وبقائه على دينه.

هذا غيض بسيط من فيض كبير يوضح الرؤيه المبدئية التي تستند إلى المعرفة الصحيحة، والفهم السديد لشريعة الإسلام فيما يتعلق بوضعية غير المسلمين في المجتمع المسلم، ويبقى الأمر في نهايته التزاما بنصوص الشريعة بلا زيادة أو نقصان.

رؤية الخطاب الإسلامي لغير المسلمين في مصر
كما أوضحت آنفاً أن نصوص الشريعة هى الفيصل والحكم في هذه المسأله .. والإسلام لا يقبل المزايدة التى تخل بأوامره وأحكامه .وبالتالي فإن رؤية الخطاب الإسلامي تنتسب إلى الإسلام ومصادره و على رأس ذلك كتاب الله تعالى والسنة الصحيحة.

على مدار تاريخ حركة الإصلاح الإسلامي من عهد جمال الدين الأفغاني حتى يومنا هذا لم يصدر تجاه الأقباط في المجتمع المصري ما يسىء إليهم، أو ينقص من شأنهم واعتبر الأستاذ الشهيد (حسن البنا) أن في فهم الآية الكريمة (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم)[البقرة: 136] ما يجعل أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين في حالة وحدة متصلة وأن الإسلام أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية. ويؤكد رحمه الله أننا مع إخواننا الأقباط.

نعتبر أنفسنا عرباً حيث أننا جميعا نتكلم اللغة العربية ونتعامل بها وما دمنا عرباً، فمن الطبيعي أن نتحاكم إلى قانون عربي لا إلى قانون غربي متنوع المصادر فرنسي وبلجيكي في إشاره منه إلى دعوة الجماعة إلى تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية.

وفى إجابه له على سؤال حول الجزية قال: أنها اليوم أصبحت غير ذات موضوع ما دام كل المواطنين ينخرطون في الخدمة العسكرية ويدافعون عن الوطن سواء بسواء .

في مارس 2004 أصدرت جماعة الإخوان المسلمين مبادرة للإصلاح السياسي أوضحت فيها أن أقباط مصر جزء أصيل من المجتمع المصري، وهم شركاء الوطن والمصير مكفولة لهم كل الحرية في الاعتقاد والعبادة، وأن من صميم أهدافهم الحرص على روح الاخوة التى ظلت تربط على مدى القرون بين أبناء مصر أجمعين مسلمين وأقباط لتمكين الأمة من العمل المتكامل لبناء مستقبلها وحمايتها من كل أشكال الفرقة.

ويفهم من هذا الكلام الواضح أن المواطنة هى مدار الحقوق والواجبات في المجتمع المصري واستبعاد مفهوم أهل الذمة تماماً وأن استعماله في المصادر الشرعية هو توصيف وليس تعريفاً.

وفى دراسة قدمها الدكتور (عبد المنعم أبو الفتوح) عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان ( المفهوم الاسلامى للاصلاح الشامل) قال أن المواطنة في الدولة المدنية التى ينشدها تيار الإسلام الإصلاحي هي أساس الوجود في المجتمع داخل إطار ديمقراطى وكل من رضى بهذا الإطار يكون على قدم المساواة مع الآخرين بكل اتجاهاتهم الفكرية والسياسية ..وأن المساواة السياسية والقانونية الكاملة بين كل فئات المجتمع وطوائفه هى أساس الوجود في المجتمع مع وضع كل الضمانات لحماية هذه المساواة من أي انحراف سياسي أو مذهبي.

وكان أيضاً قد أصدر بياناً تحت عنوان ( رب واحد ..وطن واحد) يدعو فيه الأقباط إلى الخروج من عزلتهم والمشاركة الكاملة في كل فعاليات الأحزاب والجماعات السياسية باعتبارهم مواطنون مصريون .وشبههم بأنهم مثل النيل والاهرامات .

هذه هي السمات الغالبة على رؤية تيار الإسلام الإصلاحي لأقباط مصر من بدايات الحركة الإصلاحية التي تستند إلى المرجعية الإسلامية إلى يومنا هذا .

وأريد أن أوضح بعض النقاط بشكل سريع :
1- تتفق كل أطياف الحركة الوطنية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين أن أقباط مصر ليسوا أقلية. وقد كان تعريب الصلوات في الكنائس المصرية عملاً مجيداً في تاريخ الكنيسة المصرية التي يعتبرها المصريون جميعاً أحد المؤسسات الوطنية العريقة .
2- لم يشهد تاريخ الأقباط في فترات الغزو والإحتلال أي انحراف عن مفهوم الجماعة الوطنية الواحدة، وما كان الفيلق القبطى بقيادة الجنرال يعقوب 1789 وقت الحملة الفرنسية إلا نشازاً رفضه الأقباط قبل المسلمين .
3- في عهد محمد على رفض الاقباط الانضواء تحت معاهدة روسية تكفل لهم حماية خاصة.
4- رفض المصريون جميعاً أن يمنح الاقباط (كوته) يتم على أساسها تمثيلهم في البرلمان والهيئات والمؤسسات التنفيذية .
5- كان المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين يضم فى عضويته ثلاثة من الاقباط في الأربعينيات .
6- تشكو الحركة الوطنية الآن من حالة من حالات (الاختناق العام) التي أدت إلى انحسار مفهوم العمل الوطني المشترك في مجالاته السياسية والاجتماعية المتعددة، وهو ما أدى إلى صورة من صور الابتعاد عن المشهد العام للحياة العامة و قد ظهر بوضوح في الحالة القبطية .. وضاعف من ذلك توجه داخل الكنيسة المصرية يدعو إلى أن تكون الكنيسة هي المرجعية المدنية للأقباط وليس الدولة. ويتطلع تيار الإسلام الاصلاحي إلى أن يأتي اليوم الذى ينعم فيه المجتمع المصري كله بمناخ الحرية والديمقراطية التي تدمج أبناء الوطن كله في سياقات العمل الوطني الخالي من الطائفية والتمييز ..
هذا هو المفهوم العام لرؤية الإسلاميين لأقباط مصر .. أنهم مواطنون مصريون متساوون على التمام والكمال مع إخوانهم المسلمين في كل الحقوق والواجبات إلا أنهم يعبدون الله في كنائسهم ..
 
-ورقة عمل الدكتور هشام الحمامي في مؤتمر نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني.
https://www.alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=336