نظرية السوق الاجتماعي على محك الأزمة الاقتصادية العالمية؟

2009-07-25

تعد الإزمة الإقتصاديةَ العالميةَ الحاليةَ مجموعةُ من ازمات مثل أزمة الوقود، وأزمة الغذاء،وازمة مالية، وأزمة إقتصادية، وأزمة أيديولوجية، و في اوقات مثل هذه، ليس غريباً أن يتم لَوْم الأسواق على البؤسِ والشقاء، الا ان نظرة قريبة لأسبابِ هذه الأزمةِ ستَكْشفُ ان الأسواقَ ليست هي من تَستحقُّ اللائمةَ، ولكن السياسيين الذين وضعوا قواعدَ اللعبةِ وتَدخّلوا في الأسواقِ هم من يستحقوا اللوم.

إذا تم أخُذْ أزمةَ اسعارَ الغذاء كمثال، هناك كثير من البلدان الزراعية التي اَستعملتُ أراضيها الصالحة للزراعةَ لإسْتِبْدال المحاصيل الغذائية الأساسية بمحاصيلِ الوقود الحياتي، مما أدى إلى أرتفاع أسعار المواد الغذائية ضمن عواملِ أخرى، ومن حيث المبدأ، فلا شيء خاطئ بهذا، لان الأسواق يَجِبُ أَنْ تَتوقّعَ ندرة مستقبليةَ وان تُحاولُ مُعَالَجَتها، وفي النهاية، فألاسواق لَها سجل مشهود للقيام بذلك، فلقد اخترعت السيارة والمصباح الكهربائي وتم استبدال الخيول والشموع، و لم يتم أخبار كارل فريدريك بنز ولا توماس أديسن مِن قِبل أي احد بالحاجة لإختِراع السيارة أَو المصباح الكهربائي، ولم يأخذوا أموالاً من دافعي الضرائب لقاء إختِراعهما هذه الأشياءِ العظيمةِ، فكُلّ ما أرادوه مِنْ الدولةِ هو حريةَ الابداع او الابتكار لانجاز ذلك، وأن تقوم الدولة بحماية حقوق ملكيتهم الفكرية، ولكن في حالة الوقود الحياتي وانتاج الايثانول، تدعم العديد مِنْ الدول الصناعية بشدّة إنتاجَ الوقودِ بدعوى حماية البيئة، بالرغم من أنَّ الموقف من المنافع البيئية والإقتصادية مازال مهزوزا حيال ذلك، كما أن هذا الدعم القوي سيُؤدّي إلى اختلالات ذات تأثيرات شديدة، أو أدت أليها بالفعل، فلا تشكل الإعانات المالية عبئاً كبيرا بالنسبة للمجتمعاتِ من ناحية فقدان الرفاهيةِ وإنتاجِ مُنتَجاتِ عديمة الفائدةِ فحسب، بل إلى ضررِ المستهلكين ودافعي الضرائب والاضرار بالصناعاتِ المميّزةِ، وهذا مما يُشوّه حوافزَ الابداع والابتكار بل ويبشر بعلاقات صعبةَ بين الدولة وإقتصادهاِ.

لسوء الحظ، بَدأَت الإقتصادياتُ الحديثة بإخْبار مواطنيهم على نحو متزايد بما هو جيد لهم وما يجب عليهم فعله للإنْتاج والإسْتِهْلاك، وفي جمهوريةِ أفلاطون، تم تصنيف الفلاسفةِ طبقيا اعتماداً الى حكمتهم المتفوّقة، وإدّعى التفوقِ نفسه لاحقاً المدرسيون او السكولائيون في القرون الوسطى، وبالطريقة نفسها، قررت الإشتراكيةَ الأعتماد على كونية (عالمية) الحزبَ الاشتراكي الحاكم، والآن يطالب السياسيون بمركزية المعرفةِ بخصوص الإنتاجِ الصناعيِ، ونسوا أو تناسوا السجل السيء لما حدث أثناء العصور المُظلمةِ وخلال عصر الإشتراكيةِ، بل نسوا ما حدث للملف المعاصر لتوفير الطاقة والسياسةَ الزراعيةَ.
عندما قررت الاقتصادات الغربية بناء مصانع الطاقة النوويةَ، وتباهت بالكلف القليلة لهذه الطاقة، متناسين إضافة كلف معالجةِ النفايات النوويةِ إلى سجلات حساباتهم، وعندما دَعمت الدول الغربية الزراعةً بشكل ادى الى حدوث فائض بالإنتاجِ الذي تم شُحِنه بدوره إلى الدول الناميةِ كمساعدة لها، ثم بدأوا بتدمير المزارع في الدول النامية المستلمة للمعونةِ، ثم بدأوا بألقاء معظم الفائض الزراعي في دولهم في البحر أو أحراقها، من أجل رفع الأسعار لمعوناتهم من أجل أبقاء مستويات الرفاهيةِ في دولهم.

بدء المشكلةسبب تدخل الحكوماتِ في الأسواقِ مشكلة رئيسة في بداية ظهور الأزمةِ الماليةِ العالمية، وبإيجاز، بدأت المشكلة كالآتي:
أثناء السبعيناتِ، أصبحَ الكساد مشكلة في الولايات المتّحدةِ، وفي 1981، وعندما أصبح رونالد ريغان (1981-1989) رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بلغت معدلات التضّخم والبطالة 10 % و8 %، على التوالي، ومن أجل تحفيز الإقتصادَ، أعطىَ ريغان معركة التضّخمِ وتحرير السوق (أو حرية السوق) اهمية قصوى، رغم الكلفة العالية لسياستِه وقتها، الا انها كانت سياسة ضرورية لكي يَعاد فهم أساسيات السوقَ ثانيةً وبشكل صحيح.

بدأت ثمار هذه السياسة، في أواخر الثمانيناتِ وأوائِل التسعينياتِ، تتحقق من خلال تحقيق معدلات نمو أعلى ومعدلات بطالةِ أوطأِ، وفي منتصف التسعينياتِ، كان الإقتصاد الأمريكي يسير بأقصى سرعة له مَع وجودعيب شكلي بسيط، وهو بداية هبوط ملكية دور السكن تدريجياً.

في 1994، بَدأَ الرئيس الأمريكي بيل كلنتن (1993-2001) خطة توسّعِية لقطاع ملكيةِ دور السكن، مما شجّع مؤسسات التمويل الخاصّة والعامّة لمساعدةِ العوائل و المواطنين لكي يُصبحَوا مالكي للدور، وتم دعم المستهلكون الثانويون من قبل الحكومةِ، الامرالذي اعطى المسألة بعداً أخلاقياً، ومع ذلك، فعلى المدى القريبِ، بَدت ألاشياءُ جيّدة، الا ان زيادة الطلب المفاجيء على البيوتِ، رَفعتْ أسعارَ الوحدات السكنيةَ، وتصاعدت الاسعار، مما أدى إلى استخدام المنازل ذاتها كتأمين لتَمويل قطاع الاسكان واعادة الإستهلاكِ فيه، وهذا الامر تباعاً أطلقَ عنان الإقتصادَ لدرجة أكبر.

في الوقت نفسه، سمحت السوق الماليةِ المضطربة للبنوكِ بحَزْم قروضِهم المطروحة وفق آلية ماليةِ جديدة، واستمرار بَيْعها إلى المستثمرين، وتحول الاقتصاد من سياسة العمل تجاه تنويعِ المخاطرة إلى العمل نحو حيرةِ المخاطرةِ، وطالما اعتقد كُلّ شخص بأنّ هناك كعكة مُتنامية لن تنفذ مهما تم تناولها، فلا أحد سيهتمَّ، ولكن فجأة بدأ حجم الكعكة بالتصاغر من جديد، وبدأت أسعار المنازل بالهبوط، وأنخفضت الأسعار، كما فقدت الاصول المصرفية التي تشكلْ ثروةَ البنوكَ قيمتَها، ولم يستطع مقترضو المال دفع ديونهم للبنوك، والنتيجة تورط مالكو البيوت في مشاكل، وأتجهت البنوكِ نحو الإفلاسِ، وتحولت الأزمة المالية في الولايات المتحدة إلى مستوى ازمة مالية وإقتصادية عالمية.

على مَنْ يقع اللَوْم؟
في 1994، ارادت حكومة الولايات المتحدة الامريكية أَنْ يزداد عدد مالكي الدور فيها، وان تقوم البنوكُ بتمويلهم، وفي نهاية التسعينيات، كان لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية فائضُ في الميزانية، فلماذا القْلقُ اذن؟
إذالم تسر الامور على مايرام، فيمكن للحكومة ان تقوم بانقاذ البنوكَ، ولكن هَلْ يمكن للبنوك وبدون تغطية حكوميِة ان تستمر في منح القروضُ إلى زبائنِ الاستهلاك الثانويِ؟ من المحتمل لا.

السؤال هو: ماذا يمكنُ أَنْ تكُونَ السياسةَ الصحيحةَ؟ إذا كان هدفِ السياسةِ العامّةِ زِيادَة ملكيةَ المساكن للطبقات منخفضة الدخول في المجتمع؟ هَلْ تستطيع الحكومة الَطْلبُ مِنْ البنوك خفض مستويات مخاطر الإئتمان من أجل زبائنِ الاستهلاك الثانوي؟ ِ أَم هل يتم َجْعل الإئتمانَ بدرجة مخاطرة اعلى للمستهلك الثانوي لكي يصبح جديرِا باجتياز المعاييرِ الصارمة لخطورةِ الإئتمان ؟
ربما يقودنا الحسّ او الادراك العامَ للأعتراف بأنّ السياسةَ الاخيرة (أو الأجابة الأخيرة) هي الصحيحةَ، لَكنَّها محفوفة بالمصاعب بصورة كبيرة، بحيث لايمكن ان تؤتي ثمارها بين ليلة وضحاها، بل يجب القيام بتحليل شامل عِنْ الضرورة المجتمعية التي تحاول جعل طبقات منخفضة الدخل مالكة لدور السكن، وهذا مما يجب أنْ يُتابعَ بمزيجِ من سياسات الضمان الاجتماعي المستدامة الذي تَضْمنُ قابليةَ الحركة المتصاعدةَ للسوق دون تَحريف لكفاءةِ السوقِ، ولكن مثل هذا الفعل سيعد انتحاراً سياسياً لكل سياسي سيحاول أيقاف أقتصاد يبدو مزدهراً ، كما أنه ليس في متناول احد أية نظرية قادرة على الربط بين كفاءةِ السوقِ والتنمية الإجتماعيةِ العادلةِ.

الأسئلةيبرز الدرس المستقى مِنْ الأزمةِ الماليةِ العالميةِ ثلاثة أسئلةِ مهمةِ:
1) لماذا لايمكن للسياسين التنبوء بنتائجَ قراراتهم على المدى الطويل؟
2) ما الذي يجعل السياسي يَتدخّلُ مباشرة في آلية السوقَ ويُوزّعُ السلع إلى مجموعات إجتماعيةِ معينة، مثل القطاعِ الزراعيِ أَومالكي الدور من الطبقات الفقيرة؟
3) ما الذي يَجْعلُ السياسيون أذكى مِنْ رجالِ الأعمال؟
إنّ الأجوبةَ بسيطة في الواقع:

أولاً، يَؤمن السياسيون، المهتمين بالدوراتِ الإنتخابيةِ بأهمية الحلول ذات الاجل القصير جداً، وليس من الضروري أن يقلقوا حول نتائجِ المدى البعيدَ المستبعد من اذهانهم، لأن عليهم الحصول على أصوات ناخيبهم الآن وليس بعد سنوات.

ثانيا، في العديد مِنْ الإنتخاباتِ، يصوت 49 بالمائة مِنْ الناسِ لليسارَ وبصورة عمياء، كما يصوت 49 بالمائة الاخرى لليمين وبصورة عمياء، لذا يتعامل السياسيون مع 2 بالمائة فقط، وهؤلاء هم من سيغيروا نتيجة التصويت، وسيجدون هؤلاء الناخبين في أغلب الأحيان في القطاعات الصناعية عالية التنظيم، مثل القطاعِ الزراعيِ، ولهذا سيتعاملون مع هؤلاء الناخبين بصورة خاصّةَ.

ثالثا، ليس هناك اثبات مطلق بأنّ السياسيين أذكى مِنْ رجالِ الأعمال، ولكنهم يحاولون كسب الجماهير بشعارات براقة.
اقتصاد السوق الاجتماعي
لقد تَوقّعَ مؤسسو إقتصادِ السوق الإجتماعيِ هذه المشاكلِ، ولذا فقد إستنتجوا بأنّ المكانة السياسية والاقتصادية للسوق يجب أنْ تصنف استناداً لمبادئِ معينة، وتم تطوير هذه المبادئِ نتيجة لتجاربِ تأريخيةِ مختلفةِ بدلاً مِنْ تنظير اقتصادي فكري بحت (الذي سيطر على الاتجاه العام لإقتصادِ اليومِ).

قادت التجربة المستقاة من المعضلة الإجتماعيةِ خلال عملية التصنيع إقتصاديو السوقِ الإجتماعي للإسْتِنْتاج الذي مفاده "لا تؤدي كفاءةِ السوقِ بالضرورة إلى تنمية إجتماعيةِ عادلةِ، ولهذا السبب يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات تصحيحية وتوزيعية لازمة "، ويكفي كمثال لذلك هو ان تجربة تكوين إتحاد للمنتجينِ في الإقتصادِ الألمانيِ أثناء جمهوريةِ ويمار، مهدت لهتلر في النهاية لكي يكسب، ولذا فمن الضَّرُوري أَنْ يتم الإلتزام القوي بالمنافسةِ وعزلِ السياسةِ عِنْ الإقتصادِ، علماً ان إلاشتراكية ليست بديلاًَ لإقتصاد السوق، إذ يعتقد إقتصاديو السوقِ الإجتماعيونِ بأنّ كفاءةَ السوقِ يُمْكِنُ أَنْ تُتزامن مع تنمية إجتماعيةِ عادلةِ، ولكن لَايتسق الإشتراكيون مع كفاءةِ التخصيصِ.

يختلف المفهوم الألماني للإقتصادِ وإلتزامِاته نحو إقتصادِ السوقِ الإجتماعيِ جوهرياً عنْ النظرةِ الأنجلوسكسونيةِ، فالإختلافَ الأولَ ذو طبيعة معيارية، اذ يهتم إقتصاد السوقِ الإجتماعيِ بالترابط بين معيار كفاءةِ السوقِ ومعيارالتنمية الإجتماعيةِ العادلةِ، بينما تتركز الشرعية في الإقتصادِ الأنجلوسكسونيِ على كفاءةِ التخصيصِ، وهذه نتيجةُ لحقيقة بأنّ الاقتصاد في ألمانيا، قد تَطوّرَكنتاجِ للمدرسةِ التأريخيةِ بينما تطور في إنجلترا َبحيث اتخذ شكّلَ عِلْم رياضي، ففي عالمِ مُشَكَّلِ رياضياً، فان معدل الأجر يُعَرَّفُ بمعدلِ إنتاجية الفردَ، ويقدر توزيعَ الدخل بمعدلِ اداء الفرد الإنتاجي، فلا يختلف إقتصاديو السوقِ الإجتماعيونِ عن بعضهم، ولكنهم يطرحونُ سؤالاً إضافياً: لماذا تكون معدلات الإنتاجية عند بعض الافراد أوطأ من غيرهم؟ هل ان مرجع تلك الاختلافات الى صعوبة الوصول او الحصول على الفرص الاقتصادية المتاحة؟ إذا كانت الحالةُ هي كذلك، هَلّ بامكان الدولة ومن خلال الإستثمارات العامةِ ان تَزِيدُ معدلَ إنتاجية الفردِ ولذا تُشدّدُ على تقسيمَ العمل والمنافسةَ؟

يناقش إقتصاديو السوقِ الإجتماعيونِ ذلك بأنّ هذه هي حاجات الدولة، ولذا يفترض بها ان تَلْعبُ دوراَ مهمَا في هذا المضمار، فيمكن وصف الإطار الصحيح لإقتصادِ السوقِ الإجتماعيِ بأفضل صورة من خلال إجابة الأسئلةِ الخمسة التالية:

أولاً، ماهو نظام القيمةِ المعياريِ الذي نَشتركُ فيه كمجتمع؟
ثانيا، ما هي المبادئ التي يجب على الحكومةَ الأيمان بها عند تشكيلها رسمياً؟
ثالثا، أَيّة مبادئ يستند عليه تَشكيل السوقِ حتى لايمكن للدولة المساس بها؟
رُابعا، تحت أَيّة شروط سيتم َتدخّلُ الدولة مما يؤثر على الية السوقِ؟
خُامسا، إذا تَدخّلت الدولةَ في اليةِ السوقَ، فعلى اَيّ المبادئ ستستند؟

وللأجابة على السؤال الأول، تعكس الحرية في السوقِ قيمةَ الفرديةِ، بينما تعبر الفرص الاقتصادية المتساويةِ عن مبدأِ التضامنَ، لذا يَختلفُ إقتصادُ السوقِ الإجتماعيِ عن الإشتراكيةِ، التي يكمن نظامها القيمي في عدالةِ التوزيع، وبالرغم من أن إقتصادِ السوقِ الإجتماعيِ وثيق الصلةُ بالاقتصاد الليبرالي الأنجلوسكسونيِ الذي يَستند نظامَه القيمي بشكل خاص على العدالة الكفوءة، يَذْهبُ إقتصادُ السوقِ الإجتماعي إلى أبعد من ذلك، بينما هو يُكرّسُ للتَغَلُّب على مشكلةَ تحديد عوائد التوزيع، وللوصول لذلك، طوّرَ إقتصادَ السوقِ الإجتماعيِ مفهومِ اعادة ترتيب الليبرالية وفق المفهوم الالماني، و الذي بدوره يقوم بتعريف المبادئَ طبقاً لمكانة الدولة و السوق و ما يحب ان تنظمان وفقه، وتطورت هذه المباديء، رجوعا الى علمية المنشأ، وفق جوهر المدرسة التأريخية الألمانيةِ، ولسوء الحظ، فَقدَ هذا النوعِ مِنْ البحث العلمي مكانِه في الإقتصادِ الحديثِ، الذي يتزايد اعتماده يوما بعد اخر على اعتماد النماذج الرياضية لاستخلاص الحقائق حول التساؤلات التي تواجه العالم اليوم، ومع ذلك يمكن للإزمة الإقتصادية العالمية الحالية ان تُصحّحُ هذا الخطأِ ثانيةً.

وللأجابة على السؤال الثاني، فقد شدّدَ إقتصادُ السوقِ الإجتماعيِ على عنصرين: أولهما عزلُ الحكومةِ مِنْ مجاميع المصالح الخاصةِ، ولسوء الحظ، تعاني أكثر الديمقراطياتِ الحديثةِ، ومن ضمنها ألمانيا، من سوء تسجيل او توثيق هذا الإنْجاز، وثانيهما أستخدام مبدأُ الاحلال (أو التعويض)، الذي يُنظّمُ المسؤولياتَ العامّةَ، ويَتلخص ذلك في ان ما تتم معالجته من قبل المجموعات الصغيرة يحب الا يستحوذ على اهتمام المجاميع الكبيرة، وتسمى هذه الفكرة غالبا بالإتحاديةِ، ففي ألمانيا، يشكل التفاوض الجَماعي مثالا آخرُ لهذه الفكرة.

ويمكن أجابة السؤال الثالث من خلال التعريف الذي اعتمده إقتصادُ السوقِ الإجتماعيِ لمبادىء السوق الاساسية السبعة، وهي: حرية الاسعار، وحرية التعاقد، وحرية التجارة، وحقوق الملكية الخاصة، وضرورة ثبات الاسعار، واستقلال المسؤولية الخاصة، والمقدرة على توقع السياسةِ الإقتصاديةِ، وتحمي هذه المباديء الحريةَ الفرديةَ في السوقِ، ولكن تَنتهكُ إدارةُ الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية إثنين مِنْ هذه المبادئِ، هما مبدأ استقلال المسؤوليةِ الخاصّةِ، واستمرار تراكمِ الدين العام إذ تقوم الحكومات بتطبيق سياسة الحماية التجارية وتأميم المؤسسات المفلسة مما يعد انتهاكاً لمبدأ حرية التجارة، وتقليل القدرة على توقع السياسةَ الإقتصاديةَ المستقبليةَ.

للأجابة على السؤال الرابع، تحت أَيّة شروط سيتم َتدخّلُ الدولة مما يؤثر على الية السوقِ؟ فسيتم تُلَخّيَصُ الجواب في أربعة مبادئِ تنظيميةِ:

أولاً، عندما يشكل عدمَ المساواة كلفة إجتماعيةَ، فستحاول الدولة تخفيف ذلك من خلال توجيه الإستثمار العامِ نحو المجالات الإجتماعيةِ

ثانيا، يَجِبُ أَنْ يَكون للدولة تأثيرات خارجيةَ على السوق، مثل استخدام ملف البيئة لحماية أفراد الشعب

ثالثا، يَجِبُ أَنْ تُحافظَ الدولة على نظام المنافسة وان تنشط و تحفز السياسة التنافسيةِ

رُابعا، يَجِبُ أَنْ تَتفادى الدولة حصول دالةَ عرض عملِ غير عادية كما كَانتْ عليه الحالةَ ابان الثورة الصناعية، إذ تترافق دوال عرض العملِ الشاذّةِ دائما مع وجود فائض كبير في عرض العمل في اوقات الحروب على سبيل المثال، وتتوافق هذه المبادئِ والاسس التنظيميةِ اكثر مما يبرز من قيمة التضامن، اذ تتعهد هذه المبادئ التنظيمية باتاحة الفرص المتساوية، والاهتمام بمستوى الناس المعاشي كمصلحة عامة، والاهتمام بسيادة المستهلك، وحماية عنصر العمالة، وهنا يمكن التساؤل ما اذا كانت أي دولة مؤهلة لتتدخل في ظل أية ازمة مالية وإقتصاديةَ، ويكمن أصل المشكلةِ في تجاهل مبدأِ التشكيل الاساس للمبادئ التي تدْعو إلى عزلِ الحكومةِ عِنْ مجالات الفطاع الخاص.

أما السؤال الخامس، إذا تَدخّلت الدولةَ في اليةِ السوقَ، فعلى اَيّ المبادئ ستستند، وكيف يَفترضُ بها عَمَل ذلك؟

فطبقاً لإقتصادِ السوقِ الإجتماعيِ، ستستعمل الدولة سياسة التثبيت باعتدالِ، وستعتمد سياسةً إجتماعيةً من منظار نهج السوق، وستعيد ترتيب اولويات قوانينها من خلال انتهاج سياسةِ إقتصاديةِ إختياريةِ، مما يَتفادى التداخل القطاعي، والواقع إنّ معالجة الأزمة المالية العالمية الحالية ينتهك كل قاعدة سوقية للأسباب الآتية:

أولاً، عندما تشكل عدمَ المساواة كلفة إجتماعيةَ، اذ ستحاول الدولة تخفيف ذلك من خلال توجيه الإستثمار العامِ نحو المجالات الإجتماعيةِ، علماً أن كفالة الحكومات مؤسسات السوق الخاصة ببلايين الدولارات هي خسارة غير قابلة للرد.

ثانيا، يَجِبُ أَنْ تَكون للدولة تأثيرات خارجيةَ على السوق، مثل استخدام ملف البيئة، وهناك تساؤل حول هيكلية السياسةً الإجتماعيةً التي تسْتِهْدف الفئات الأكثر تهميشا بالمجتمعِ والتي ستساهم ببناء نموذج المساعدة الذاتيةِ بدون اختراق او تجاوز لنظام آليةِ السوقِ.

هَلْ نَستهدفُ هذه السياسة الأكثر ضعفاً؟ وهَلْ سيتم التضحية بمباديء السوق الأساسية في سبيل كفالة بعض الصناعاتِ التي أثبت السوق فشلها؟ وإذا قررنا انه لا وجود للمسؤوليةِ الفرديةِ،ولا توجد مخاطرة للمؤسسات, فكيف نبرر الأرباحَ التجاريةَ لهؤلاء الأفراد والمؤسسات؟

ثالثا، يَجِبُ أَنْ تُحافظَ الدولة على نظام المنافسة وان تنشط و تحفز السياسة التنافسيةِ، وهناك محاباة في كفالة مؤسسات القطاعات الخاصة رغم كونها لا تتوافق مع مبدأ حرية السوق وحرية المخاطرة، إذ تكفل الحكومات المؤسسات الضخمة التي لها أرتباطات سياسية أقوى مقارنة مع غيرها مما يدل على محاباة.

رابعاً، يَجِبُ أَنْ تَتفادى الدولة حصول دالةَ عرض عملِ غير عادية كما كَانتْ عليه الحالةَ ابان الثورة الصناعية، فدوال عرض العملِ الشاذّةِ تترافق دائما بوجود فائض كبير في عرض العمل مثل اوقات الحروب.

تتوافق هذه المبادئِ و الاسس التنظيميةِ اكثر وتبرز في قيمة التضامنِ، اذ تتعهد هذه المبادئ التنظيمية باتاحة الفرص المتساوية، والاهتمام بمستوى الناس المعاشي كمصلحة عامة، ومفهوم سيادة المستهلك، وحماية عنصر العاملِ.

تَخْلقُ الصلات لإدارةِ الأزمة الحالية مرة أخرى بين الإقتصادِ والقطاعِ السياسيِ مما يؤدي لتأثيرات سلبية لكل حكومة كفوءة بشكل عام، إذ تمنعها هذه الصلات من التنبؤ والتوقعّ بالأزمات الإقتصاديةِ المستقبلية أولاً، هنا يكمن التساؤل ما اذا يمكِنُ لاية دولة أَنْ تكون مؤهلة لتتدخل في ظل اية ازمة مالية وإقتصاديةَ، ويكمن أصل المشكلةِ في تجاهل مبدأِ التشكيل الاساس للمبادئ التي تدْعو إلى عزلِ الحكومةِ مِنْ مجالات الفطاع الخاص.
 
 
السيرة الذاتية للدكتور ماركوس ماركتانر
الوظيفة
أستاذ مساعدفي قسم الاقتصاد، الجامعة الأمريكية، بيروت الشهادات- دكتوراة فلسفة في الاقتصاد، جامعة اليمنو، ألمانيا
تخصص الاقتصاد السياسي للتحويل والتكامل العالمي: تجارب الاشتراكيات السابقة
الخبرات
قبل انضمامه للجامعة الأمريكية في بيروت، عمل كتدريسي في جامعات ألمانية وأمريكية، وتركزت بحوثه على العلاقات المتداخلة بين عوامل التطور من جهة والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.، وتم نشر بحوثه في مجلات اقتصادية عالمية مثل مجلة بحوث الدراسات العالمية، ومجلة المناطق المطورة، ومجلة الدراسات الاقتصادية، مجلة المراجع الاثقتصادية والتجارية العالمية (والتي عمل كرئيس تحير لها عدد من السنوات)، كما كتب عدد من الفصول في كتب مهمة حول الاقتصاد العالمي.
عمل كمستشار لبرنامج الغذاء العالمي، ومفوضية الأمم المتحدة للأجتماع والاقتصاد لغرب آسيا، ومستشار اقتصادي لمؤسسة كونراد أديناور.
https://www.alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=747