التحدي الإيراني

2010-09-01

بقلم: افرايم كامالمصدر:معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
ترجمة: صادق أبو السعود

يقترب المشروع النووي الإيراني وبسرعة كبيرة من لحظته الفاصلة والحاسمة، حيث واصلت إيران تطوير معدل قدراتها النووية، فمن المتوقع أنه في ظل الظروف التقنية المثالية ستكون إيران قادرة على إنتاج أول أسلحتها النووية بحدود بداية 2011. ستشهد إيران في الشهور القادمة ضرورة أن تتخذ قرار حاسما بشأن برنامجها النووي سواء ما كان يمليه ذلك بأن تتوقف في الوقت الراهن على عتبة امتلاك الأسلحة النووية أو المضي قدما في عملية تعزيز جهودها لتصنيع تلك الأسلحة. بذلت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الكثير من الجهود لمنع إيران من تحقيق هدفها بالوصول للأسلحة النووية وذلك من خلال عدة وسائل شملت إغرائها ببعض الحوافز، وممارسة الضغط عليها وفرض العقوبات ضدها. ولا بد من الإشارة إلى فشل هذه الجهود حتى الآن في الحصول على نتائج مرضية والذي قد يدفع بالولايات المتحدة لأن تختار بعض الخيارات الصعبة: متابعة الخيار العسكري ضد إيران أو إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للعمل العسكري، أو الخيار الآخر، والذي بدوره يعني قبول تخصيب اليورانيوم في إيران، وبالتالي قبول إيران النووية والاستعداد للمخاطر المترافقة مع هذا الخيار. آخذين بعين الاعتبار عدم توقف إيران عن برنامجها النووي، فإن على إسرائيل أيضا أن تقرر في المستقبل القريب فيما إذا كانت الظروف مواتية للتحرك العسكري ضد المنشئات النووية الإيرانية. وبناء عليه، أصبحت الأزمة الداخلية الأكثر حدة في تاريخ النظام الإسلامي تحتل مركز الصدارة في الاهتمام، وذلك ليس فقط بناء على النتائج المرتبطة في مقامها الأول بطبيعة النظام ومستقبله بل ما يتعلق أيضا بالمسألة النووية.

تطور البرنامج:

إن الجانب الأكثر أهمية في المسألة النووية الإيرانية يكمن في التقدم الكبير والثابت الذي حققته إيران نحو إنتاجها الأسلحة النووية، وذلك على الرغم من الصعوبات التقنية التي واجهتها طيلة هذا الطريق، ففي عام 2008، استطاعت إيران أن تتقن تماما تقنية تخصيب اليورانيوم. وفي عام 2009، تمكنت إيران من تخصيب اليورانيوم بدرجة منخفضة أي بنسبة 3.5% وبكميات كافية، والتي يمكن بعد تخصيبها بدرجات عالية، أن يكون ذلك بمثابة النواة للوصول للأسلحة النووية المتفجرة. يتم تصنيع اليورانيوم ذو التخصيب المتدني في منشأة (ناتانز) النووية، والمخططات النهائية لهذه المنشأة هي الحصول على 54.000 جهاز طرد مركزي للغاز. بحلول نهاية 2009، وقد تم بالفعل تثبيت 9000 جهاز للطرد المركزي، ولكن ولأسباب غير واضحة فقد تثبيت واستخدام 4000 منها فقط. علما أن أجهزة الطرد المركزي التي تم استخدامها هي نموذج قديم عن الجهاز الباكستاني (بي 1) وهو ذو قدرة متدنية على التخصيب، وفي نفس الوقت يعمل الإيرانيون على تطوير أجهزة الطرد المركزي لتصبح أكثر حداثة وذو قدرة أفضل والتي عند تثبيتها وتشغيلها ستزيد من نسبة اليورانيوم المخصب.

إن الخطوات الحاسمة الأخرى التي اتخذتها إيران خلال الثمانية عشرة شهرا الأخيرة والمتعلقة ببرنامجها النووي تتمثل بما يلي: أعلنت إيران في شباط 2010، بأنها بدأت بتخصيب اليورانيوم بمستوى 20%، وهذا المستوى لا زال معروفا بأنه غير عالي التخصيب. تقوم إيران حتى الآن بتخصيب اليورانيوم لهذه الدرجة بنطاق محدود، وهذه الخطوة من شأنها تقصير المدة لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب بكميات كبيرة. وبعد شهرين وفي نيسان 2010، أعلنت إيران عن تجربتها الناجحة على أجهزة الطرد المركزي الجديدة والتي ستدخل الميدان العملي قريبا، وطبقا لإيران فهذه الأجهزة هي الجيل الثالث من أجهزة الطرد المركزي وهي قادرة على تخصيب اليورانيوم بسرعة تفوق 6 أضعاف الأجهزة المستخدمة حاليا.

وفي أيلول 2009، قامت إيران بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تبني منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بالقرب من مدينة قم كظهير لمنشأة (ناتانز) في حال تعرضت الأخيرة للهجوم. كان من الواضح أن إيران كانت مجبرة على الإعلان عن بناء هذه المنشأة بعد أن تم كشفها من قبل أجهزة المخابرات الغربية، وهي اصغر حجما من منشأة (ناتانز) وهي مصممة لتحتوي على 3000 من أجهزة الطرد المركزي. وطبقا لتقديرات أغلبية المصادر الغربية، فإن هذه المنشأة يتم إعدادها لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، سواء من كان ذلك من اليورانيوم الطبيعي أو اليورانيوم المتدني التخصيب الذي تنتجه منشأة (ناتانز). وفي أي حال من الأحوال، فمن الواضح أن منشأة (قم) غير مصممة للأغراض السلمية، ونتيجة للكشف عن منشأة قم، فإن الشكوك تجاه بناء إيران لمنشأة نووية سرية قد ارتفعت بصورة كبيرة، وقد أثيرت هذه الشكوك أيضا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي تأخذ بياناتها عادة طابع الحذر وضبط النفس.

قامت إيران بالعديد من الخطوات المتعلقة بإنتاج السلاح النووي المتفجر، فمن الواضح أنها درست التقنية اللازمة لمعالجة اليورانيوم وإنتاج السلاح النووي. من المحتمل جدا أن إيران تلقت مخططات كاملة للسلاح النووي التفجيري من الشبكة الباكستانية، وكذلك هناك دليل على أن إيران اختبرت تركيبة العبوة الناسفة مع الرأس الحربي. وعلاوة على ذلك فقد ذكرت تقديرات الاستخبارات الأمريكية الصادرة في كانون الأول 2007 بأن إيران لديها برنامج عسكري لتطوير الأسلحة النووية، حتى وإن كان ذلك البرنامج مجمدا منذ 2003. علما أن هذا التقدير لم يتغير على الرغم أن بعض المعطيات والبيانات التي تم اكتشافها في السنوات الماضية لا تتطابق مع هذا التقدير. وطبقا للتقارير الإعلامية الصادرة في مطلع 2010، فإن الإستخبارات الأمريكية تعتقد اليوم بأن البرنامج العسكري كان في الحقيقة في قاعات الانتظار أو ربما تم تجديده في نطاق اكثر تواضعا.

إن برنامج الصواريخ الإيراني والذي على عكس البرنامج النووي حيث لا يبذل الإيرانيون جهدا في اخفائه قد حقق تطورا سريعا، فقد تطورت تدريجيا نوعية، ومدى ودقة الصواريخ. إن إيران لديها اليوم صواريخ بالستية لديها القدرة على حمل رؤؤس نووية حربية، بالإضافة أيضا ولنحو عقد من الزمان لديها من الصواريخ ما يكفي مداها لتغطية كافة انحاء دولة إسرائيل.

إلى أين يتجه البرنامج النووي الإيراني؟ من المنظور التقني وفي ظل الظروف المثلى وبدون حوادث مهمة ستكون إيران قادرة على إنتاج سلاحها النووي مع بداية عام 2011، وفي ظروف اقل مثالية فإن التاريخ المذكور آنفا سيتحول للنصف الثاني من عام 2012، تجدر الاشارة إلى أن هذا هو تقدير مجتمع الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى أية حال فإن كافة المؤشرات والدلائل تشير إلى أن إيران لا تسير نحو هدفها النووي بسرعتها القصوى، ولكنها بدلا من ذلك تقوم وعلى نطاق واسع ببناء البنية التحتية للقدرات النووية والتي تمكنها أن تمضي قدما في برنامجها النووي عندما تختار هي ذلك. وبينما لا يوجد شك حول توجه إيران لبناء قدراتها لانتاج سلاحها النووي، إلا انه لا يوجد هناك دليل قاطع يؤكد أن إيران قررت بالفعل وبصورة ملموسة انتاج ذلك السلاح وأنه ربما قد يكون من الجيد لها في الوقت الحالي تفضيل الوقوف على عتبة الانتظار إلى حين شعورها بالوقت المناسب لذلك.

من المحتمل أن الاعتبار الأساسي الذي يؤثر على القرار الإيراني يتعلق بسياسة إيران النووية الأساسية في المستقبل: هل ستفضل إيران إنتاج الأسلحة النووية أم أنها ستفضل البقاء على أعتاب ذلك، ومن ذلك الموقف تستطيع أن تحقق بعض الميزات ويمكنها أيضا أن تتجنب المخاطر الكبيرة التي قد يفرضها إنتاج الأسلحة النووية؟ كما أن الأسس التي تقوم عليها الحسابات الإيرانية ستتأثر ببعض الأسئلة العملية: هل ستكون إيران مستعدة لدفع ثمن انتقالها لمرحلة لا يمكن معها أن تترك مجالا للشك بأنها قررت فعليا إنتاج السلاح النووي؟ كيف يمكن لها أن تقدر قيمة بقائها على أعتاب إنتاج السلاح النووي مقابل امتلاكها لذلك السلاح؟ هل يتوجب عليها عبور مرحلة وقوفها على أعتاب إنتاج السلاح النووي، وهل تفضل أن يخرج ذلك للعلن من خلال الإعلان عن ذلك أو من خلال إجراء تجربة التفجير النووي، أو هل ستتجنب إيران موضوعة العلنية وتتبنى في المقابل سياسة الغموض؟

الجهود السياسية لكبح إيران

أعلنت إدارة الرئيس باراك اوباما عن تغييرا مهما في جهودها السياسية المُعَدَّة لمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية. لم ترفض إدارة الرئيس السابق بوش الحوار المباشر مع إيران ومارست ذلك من ناحية عملية، حيث أجرت المحادثات حول بعض القضايا الإقليمية مثل العراق وأفغانستان. وعلى أية حال، ومن خلال دعم حكومات الاتحاد الأوروبي فقد تم وضع شرط قوي للحوار حول المسألة النووية: يتوجب على إيران أن تعلق نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم قبل بدء المحادثات، ومن الناحية العملية فقد منع هذا الشرط إجراء أية محادثات مباشرة بين الإدارة الأمريكية وإيران حول المسألة النووية، وتم إجراء تلك المحادثات بصورة رئيسية من خلال مختلف الحكومات الأوروبية وتنسيق الولايات المتحدة لموقفها مع تلك الدول.

وحتى قبل دخوله البيت الأبيض، أعلن الرئيس اوباما عن منهجية مختلفة وقال بأنه سيبذل ما في وسعه للمحادثات المباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. ومنذ البداية لم تكن الإدارة مفرطة في التفاؤل حول إمكانيات وآفاق المحادثات المباشرة، ولكنها في نفس الوقت أدركت أهمية تلك المحادثات لسببين:المنهجية السابقة التي تجنبت إجراء المحادثات المباشرة لم تأت بالنتائج المطلوبة، وكان لفكرة إجراء المحادثات المباشرة تأييد واسع النطاق في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وهكذا ارتأت الإدارة تعزيز مبادرة اوباما بهدف سبر غور هذا الطريق بصورة تامة، على أن الجانب المشؤوم هنا يتمثل من خلال الهدف القائم على أساس الحصول على أرضية صلبة للدعم الدولي لممارسة الضغط على إيران، إذ لا بد لتلك المحادثات أن تفشل.

لعب تطلع إدارة الرئيس اوباما للمحادثات دورا بتقديم بعض التنازلات المهمة والتي صبت مباشرة في مصلحة الإيرانيين، وبالإضافة إلى التنازل عن تعليق تخصيب اليورانيوم كشرط مسبق للمحادثات، تنازلت الإدارة أيضا عن المهل الزمنية، فهي ومنذ البداية لم تضع سقفا زمنيا للمفاوضات، وعندما وضعت مواعيد لاختتام المحادثات فشلت في المحافظة على تلك المواعيد. وقبلت الإدارة الموقف الإيراني بالبدء بالمحادثات بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران 2009، وبالتالي منح إيران أكثر من نصف سنة حيث لا توجد مفاوضات وعدم ممارسة أية ضغوط. وما زال الخطأ الأكثر حدة وارتكبته الإدارة في هذا السياق يتمثل بتجميد العمل العسكري ضد إيران، وحتى في الأشهر الأخيرة من عمر إدارة الرئيس بوش، أوضح كبار المسئولين الأمنيين في الإدارة بأنه في ظل الظروف الحالية يعارضون التحرك العسكري الأمريكي أو الإسرائيلي ضد المنشئات النووية الإيرانية، ومع ذلك فقد أعلنوا بأن كافة الخيارات ضد إيران لا زالت مطروحة على الطاولة. واستمر هذا المنهج بل أنه ازداد كثافة في عهد الرئيس اوباما، ومع حلول منتصف 2010، أصبح من الواضح بأن الإدارة الأمريكية لا تضع الحل العسكري ضمن خياراتها على الأقل في هذه المرحلة.

على الرغم من الجهود والتنازلات المبذولة من قبل إدارة الرئيس اوباما، إلا أن محاولة إجراء المحادثات المباشرة مع إيران وصلت للعدم، حيث فشلت الإدارة الأمريكية في تطوير حوار مهم مع إيران، كان الفشل في جزء منه بسبب حالة عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين والتي لسنوات ألقت بظلالها على العلاقة بين الدولتين. ونتيجة لذلك فإن المحادثات مع الإيرانيين التي بدأت في خريف 2009، أُجرِيت من قبل الحكومات الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وركزت على صفقة دائرية: تقوم إيران بنقل حوالي 80% من اليورانيوم المتدني التخصيب الذي قامت بجمعه حتى الآن إلى روسيا وذلك (اعتمادا على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في تشرين الثاني 2009، إذ امتلكت إيران عند ذلك التاريخ حوالي 1.80 كغم من اليورانيوم المتدني التخصيب) وفي عملية قد تستمر سنة تقوم روسيا بتخصيب اليورانيوم ليصل في تخصيبه مستوى 20%، ومن ثم يتم نقل ذلك اليورانيوم إلى دولة ثالثة مثل فرنسا والتي بدورها تقوم بمعالجته وتحويله إلى قضبان الوقود النووي، والذي سيتم إعادته بعد ذلك إلى إيران لاستخدامه في مفاعل صغير للأبحاث في طهران والذي يخدم في الغالب الاحتياجات المدنية.

من الواضح أن الصفقة كانت محدودة في طبيعتها واحتوت على مزايا مهمة لإيران، فهي لم تتعامل مع البرنامج الإيراني بصورة كلية ولم تكن مصممة لإيقاف ذلك البرنامج، فقد تعاملت مع ذلك الجزء المتعلق بتخصيب اليورانيوم في محاولة لتحييده مؤقتا. والصفقة لم تحظر بأي شكل من الأشكال المزيد من تخصيب اليورانيوم في إيران، ويبدو أنها تفسح المجال لشرعية وقبول ذلك التخصيب، فخلال أقل من سنة ستكون إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم وبكميات مماثلة لتلك التي سيتم نقلها إلى روسيا. كما أن الصفقة لم تتعامل مع المنشئات النووية في (آراك)، ولم تتعامل أيضا مع مسار البلوتونيوم الذي تقوم إيران بتطويره جنبا إلى جنب مع مسار تخصيب اليورانيوم لديها في المنشاة النووية التي تم اكتشافها بالقرب من (قم)، بالإضافة إلى أن الخطة لا تهدد إيران بالعقوبات في حال فشلت في التعاون مع الحكومات الغربية.

في الجانب الآخر، رأت الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية أن الصفقة تحمل في طياتها ميزة من شقين، نظرا لعدم وجود خيار أفضل لإيقاف البرنامج النووي الإيراني، فإن قبول إيران للصفقة سيؤثر على الإزالة الفورية لغالبية اليورانيوم المخصب الذي قامت إيران بجمعه من خلال حدودها على مدار سنة تقريبا، وخلال هذه الفترة سيكون من الممكن إجراء المفاوضات حول مستقبل البرنامج النووي في ظل جدول زمني أكثر اتساعا. بالإضافة أيضا إلى أن الصفقة ستعمل على بناء جسور الثقة مع إيران وبالتالي وضع آلية أفضل للحوار. وإذا رفضت إيران الصفقة المحدودة، سيكون من السهل أمام الإدارة أن تقيد دعمها لكل من الحكومة الروسية والحكومة الصينية بمدى فرضهما لعقوبات قوية ضد إيران، كما أن الفشل سيثبت بأن الحوار مع إيران كان ضربا من العبث.

في النهاية رفضت إيران الصفقة على الرغم من مزاياها الكامنة، وجاء الرفض بصورة أساسية بسبب عدم ثقة إيران بالولايات المتحدة والحكومات الغربية بإعادة الوقود النووي بعد نقل اليورانيوم المخصب من أراضيها عندها ستكون أكثر عرضة للهجوم والضغط، وهكذا جعلت إيران الصفقة مرتبطة بشرط أن يتم التخصيب فوق أراضيها، وأن يتم تبادل اليورانيوم المخصب بالوقود النووي في نفس الوقت بدلا من انتظار سنة، ونقل اليورانيوم المخصب الذي جمعته بكميات صغيرة بدلا من تخصيب غالبيته. إن الرفض للصفقة تأثر أيضا بالأزمة الداخلية في إيران والتي قادت إلى تصلب المواقف حول المسألة النووية، وعززت أيضا موقف جناح التيار المتشدد في النظام بقيادة المرشد الأعلى خامنئي تجاه الحوار مع الولايات المتحدة.

أقفل الرفض الإيراني لصفقة اليورانيوم الباب أمام استمرار المحاولات للحوار مع الإدارة، ومن الناحية العملية، فمنذ أواخر تشرين الثاني 2009، لا يوجد محادثات مهمة بين الحكومات الغربية وإيران. ونظرا لهذا الطريق المسدود الذي وصلت إليه المحادثات، ارتأت إدارة الرئيس اوباما الانتقال للمرحلة الثانية من خطتها للاستفادة من وضع إيران المتصلب لحشد التعاون الروسي والصيني وتشديد العقوبات الموجودة فعلا بواسطة قرار مجلس الأمن. وعلى أية حال، أصبح من الواضح مرة أخرى بأن تحقيق الإجماع فيما يتعلق بفرض عقوبات مؤلمة ضد إيران كان مثار جدل إلى حد بعيد، فمنذ البداية كانت الحكومة الروسية مستعدة فقط لفرض عقوبات ثانوية ضد إيران أما على صعيد الحكومة الصينية فهي كانت معارضة حتى لتلك العقوبات الثانوية، وبعد محادثات مطولة فقط وافقت أن تنضم لعقوبات محدودة ضد إيران.

كانت الصفقة المرفوضة تشبه إلى حد كبير الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران وتركيا والبرازيل في أيار 2010 حول قضية اليورانيوم، والذي نص على نقل 1200 كغم من اليورانيوم المتدني التخصيب إلى تركيا لتتلقاها إيران بعد سنة كوقود نووي. وعلى أية حال، ففي غضون ذلك فإن الظروف قد تغيرت كذلك الحال بالنسبة لبعض مكونات الصفقة. بالنسبة للحكومات الغربية والولايات المتحدة لم يكن لهم أي دور في المفاوضات أو الإتفاق: والذين شاركوا فقط هم القادة الأتراك والبرازيليين والذين لأسباب تتعلق بهم رأوا مساعدة إيران ومنع فرض العقوبات ضدها. ومع ذلك لم يكن من الواضح كيف سيتم إرجاع الوقود النووي لإيران ومن هي الجهة التي ستعيده، والاتفاق قد حدد أيضا أن اليورانيوم المخصب الذي سيتم إيداعه في تركيا هو ملكية إيرانية، وسيكون بمقدورها أن تقرر فيما إذا كانت الصفقة تروق لها، وفي حال قررت أن الصفقة لا تروق لها، حينئذ يتوجب على تركيا أن تعيد اليورانيوم الذي بحوزتها لإيران. وعلى نفس القدر من الأهمية هو قيام إيران وعلى مدار الأشهر المنصرمة بتخصيب المزيد من اليورانيوم، وبعد أن يُنقل ذلك إلى تركيا فإن إيران تحتاج وقتا أقل لتعويض هذا الفارق في كميتها الإجمالية من اليورانيوم. وعلى الرغم من أن إيران في الوقت نفسه قد بدأت بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20%، إلا أن الاتفاق لم يتطرق إلى ذلك ولم يذكر شيئا حول الإعلان عن أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وعن النية لبناء منشئات إضافية لتخصيب اليورانيوم. وازنت هذه التطوّرات إلى درجة كبيرة بين الفوائد التي كانت تراها الحكومات الغربية في صفقة اليورانيوم في أواخر عام 2009.

ولا عجب أن الحكومات الغربية قامت فيما بعد برفض الاتفاق: إذ كان يُنظَرُ إليه على أنه محاولة لدق إسفين بينهم وبين روسيا من جهة والصين من جهة أخرى وتعطيل محاولة فرض عقوبات إضافية ضد إيران. حتى أن الإدارة الأمريكية أعلنت بأنها غير مستعدة لإجراء المحادثات مع إيران إلا إذا وافقت الأخيرة على التوقف الكامل لعملية تخصيب اليورانيوم، وأضاف إعلان الإدارة بأن الهدف من صفقة اليورانيوم التي تمت في أواخر 2009، كان تعليق البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم. وعلاوة على ذلك، ففي نفس الأسبوع الذي أعنت فيه إيران عن اتفاقها مع تركيا والبرازيل، تقدمت الحكومات الغربية وبموافقة روسيا والصين بمشروع قرار لمجلس الأمن يطالبون فيه بالمزيد من العقوبات ضد إيران.

وفي سياق المفاوضات مع روسيا والصين فقد تم تخفيف العقوبات المقترحة أصلا، وتلك التي تمت الموافقة عليها لم تكن على مستوى الشدة التي كان يرجوها الغرب، ومع ذلك فإن تلك العقوبات هي الأكثر قساوة من بين تلك التي فرضت على إيران حتى الآن، من الواضح أنه قد تم تصميم تلك العقوبات لرفع حجم الثمن الذي ستدفعه إيران مقابل تحديها لإرادة المجتمع الدولي فيما يتعلق بالمسألة النووية.

يتضمن القرار عدد من المكونات:  زيادة الصعوبة أمام إيران للحصول على التقنية النووية واستمرار نشاطاتها المتعلقة ببرنامج الصواريخ،
 حظر إيران من بناء مفاعلات نووية جديدة ومنعها من الاستمرار في بناء المفاعلات الموجودة من اجل تخصيب اليورانيوم أو إنتاج المياه الثقيلة،
 كما طالبت العقوبات بحضر مبيعات الأسلحة إلى إيران بما ذلك الدبابات، المدفعية، الطائرات المقاتلة، طائرات الهليكوبتر الهجومية، السفن الحربية والصواريخ،
 الحظر على المساعدات التقنية والأجزاء الاحتياطية لهذه البرامج، وهذا الحظر قد عزز من الموقف الروسي لتعليق بيع منظومة الدفاع الجوي (اس 300) الذي وقعته روسيا مع إيران في 2007، ولم يتم تنفيذه بعد،
 سيكون هناك تفتيش أكثر صرامة ودقة للحمولات المشبوهة والمتجهة لإيران بواسطة السفن والطائرات ومصادرة تلك الحمولات،
 وطالبت العقوبات بحرمان إيران من الخدمات المالية وتجميد الأرصدة والتي يمكن أن تساهم في النشاط النووي الإيراني المحظور
 تعطيل وإلحاق الضرر بالنشاط البنكي والمالي من خلال حظر العلاقات البنكية الجديدة مع إيران والتي تتضمن منع البنوك الإيرانية من فتح فروع جديدة لها خارج إيران إذا كان هناك أي شك يربطها بالانتشار النووي، وقيود على الصفقات المرتبطة بالحرس الثوري،
 فرض قيود قوية على حركة الأفراد والأعمال التي تقوم بها الشركات المرتبطة بالبرنامج النووي
 وأخيرا سيكون هناك لجنة مهمتها مراقبة تطبيق العقوبات.

وبسبب ضعف العقوبات التي نص عليها قرار مجلس الأمن، تأمل الحكومات الغربية بترجمة هذا الاتفاق إلى مبادئ بشأن فرض عقوبات إضافية تكون أشد صرامة. تهدف الادارة الأمريكية بدعم من الكونجرس تحديد نشاطات الشركات الإيرانية المساهمة ببرنامج الصواريخ والبرنامج النووي بما في ذلك الشركات المرتبطة بالحرس الثوري والمؤسسات البنكية والمالية الإيرانية والصناعات، وعلى نحو مماثل تحاول فرنسا وبريطانيا وألمانيا لأن تكون رأس حربة العقوبات للإتحاد الأوروبي ضد إيران، بما في ذلك فرض الحظر على الاستثمارات الجديدة ومبيعات الأجهزة والتكنولوجيا الضرورية لصناعة النفط والغاز وشركات التكرير، والبنوك وشركات التأمين الإيرانية، ووسائل النقل الجوي والبحري، بما في ذلك حظر السفن الإيرانية من الرسو في الموانئ الأوروبية. كما تشمل هذه العقوبات تجميد الممتلكات والأرصدة في بنوك دول الإتحاد الأوروبي والتابعة للمسئولين الإيرانيين والكيانات المتصلة بالحرس الثوري.

على الورق قد تكون هذه العقوبات قادرة على زيادة الضغط بصورة كبيرة على إيران، وعلى اية حال فإن نجاح هذه العقوبات يعتمد على سؤالين رئيسيين، الأول هو إلى أي مدى سوف تتعاون هذه الحكومات والشركات في عملية التطبيق. فبوضوح هناك بعض الحكومات تعارض العقوبات وهناك أيضا شركات مستعدة لانتهاك هذه العقوبات. فالخبرة السابقة في هذا المجال تشير إلى الصعوبات التي تواجه تطبيق الحزم الكبيرة من العقوبات خصوصا أن إيران قد أنشأت شبكة كاملة لتجنب العقوبات. والقضية الثانية فيما إذا كانت العقوبات على إيران ستجعلها راغبة في أن تعيد النظر في طموحها النووي. وحتى هذه اللحظة أظهرت إيران موقفا قويا وأعلنت بأن العقوبات لن توقف برنامجها النووي، بل على العكس من ذلك تماما فإنها ستسارع منه. وهكذا فإن الاحتمال الأرجح أن تكون إيران راغبة في دفع الثمن مقابل المضي قدما نحو هدفها النووي، خصوصا إذا لم يتم تطبيق بعض العقوبات. وعلى أية حال، فإذا نجحت الحكومات الغربية في فرض العقوبات لفترة أطول من الوقت، ربما ذلك سيجبر إيران لأن تظهر بعض المرونة وتتفاوض حول قضيتها النووية.

خيارات أمام الإدارة الأمريكية

لا تزال الإدارة الأمريكية ملتزمة في منع إيران من إمتلاك الأسلحة النووية وذلك إدراكا منها بحجم المخاطر المترتبة عن وجود إيران النووية للاستقرار في الشرق الأوسط، والمصالح الأمريكية في المنطقة وإسرائيل وباقي حلفاء الولايات المتحدة، وتواجه الولايات المتحدة في صيف 2010، ثلاثة بدائل غير مريحة ولا هوادة فيها في مواجهة هذه المخاطر. إن المسار المفضل في هذا السياق يتمثل في الاستمرار بمحاولة إقناع إيران بأن حصولها على الأسلحة النووية لن يخدم أمنها وأن ذلك سيكلفها ثمنا باهظا. ومع ذلك فإن الفرص التي ستتمكن من خلالها حشد الدعم الدولي لعقوبات قاسية وكافية ضد إيران – سواء كانت تلك العقوبات من خلال مجلس الأمن أم لا- لا تزال غير مرتفعة. إن قرار العقوبات الذي وافق عليه مجلس الأمن في 2010 هو خطوة للأمام ولكن لا زال من غير الواضح إلى أي مدى سيتم نجاح تطبيق القرار أو الالتفاف عليه. وفي هذه الأثناء يبدو أن إيران مصممة على مواصلة المسيرة وقامت بحشد دول المعارضة للعقوبات مثل تركيا والبرازيل وفنزويلا. وفي نفس الوقت تقوم إيران باتخاذ الخطوات التي من شأنها التقليل من حجم الضرر للعقوبات الجديدة بما في ذلك المصادر البديلة لاستيراد النفط المكرر.

البديل الثاني يتمثل بوضع الخيار العسكري مرة أخرى على جدول الأعمال، حيث لم يسبق للإدارة أبدا أن استبعدت تماما هذا الخيار إذ كانت من وقت لآخر تؤكد أن الخيار العسكري لا يزال موجودا على الطاولة. وعلى أية حال، فمنذ أواسط 2008، أعرب موظفو واحدة من كبريات المؤسسات الامنية الأمريكية بصورة لا لبس فيها عن تحفظاتهم حول هذا الخيار وجاء ذلك بصورة رئيسية بسبب المخاطر ذات الصلة وعدم اليقين حول تقييم التحرك العسكري بأنه لن ينهي البرنامج النووي الإيراني ولكنه في الأغلب سيعمل على تأخير ذلك البرنامج لبضع سنين. ولأن المخاطر لا يتوقع لها ان تختفي مع الوقت فمن المشكوك فيه فيما إذا كانت المؤسسة العسكرية الامريكية ستغير من رأيها وتؤيد الخيار العسكري، وفيما إذا كان الأمريكيون أو الإسرائيليون سيفعلون ذلك إلا إذا قررت بأن هناك شيئا قد تغير في نسبة المخاطرة لمثل ذلك التحرك أو أن تقوم إيران باتخاذ خطوة استفزازية ترتبط بالمسألة النووية.

إن التحرك العسكري ضد إيران هو الخيار الأقل تفضيلا لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بالإضافة إلى أن الخيار العسكري معقد ومثير للجدل ويتخلله العديد من المخاطر العملياتية كما أن الخيار العسكري إكتسب معارضة جميع الدول، ومن المثير للشك بصورة مرتفعة هو فيما إذا كان الفعل الإسرائيلي سيوقف البرنامج النووي الإيراني لفترة أطول، ومن الممكن أن التحرك الأمريكي قد يفعل ذلك، ولكن تحت شرط أن تنفذ الولايات المتحدة سلسلة من الهجومات المتكررة والتي من شأنها أن تجعل إيران تدرك بأنه من الأفضل لها أن تتخلى عن برنامجها النووي. ومن المحتمل جدا أن ترد إيران على التحرك العسكري ضدها بإطلاق الصواريخ على إسرائيل والعمليات الإرهابية من خلال حزب الله، ومع ذلك فإن قدرات الرد الإيراني ليست شاملة، وفي حالة الهجوم الأمريكي فمن المتوقع أن تقوم إيران بمهاجمة الأهداف الأمريكية بما في ذلك القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وأفغانستان واستهداف حلفاء الولايات المتحدة. بالاضافة إلى ذلك فقد هددت إيران في وقت سابق أنها في سياق ردها على الهجوم العسكري ستقوم بإغلاق مضيق هرمز في الخليج الفارسي، إلا أنه من المشكوك فيه أن تقوم إيران بذلك لأنها ستكون أول المتضررين من هذه الخطوة، ولكن مثل هذه الخطوة من شأنها زيادة أسعار النفط. ومن جانبه فإن الجيش الإسرائيلي سيكون على ما يبدو بحاجة إلى ضوء أخضر أو على الأقل ضوء اصفر من الإدارة الأمريكية وهذا لم يتم إعطاؤه بعد، ومن المشكوك فيه أنه مع استبعاد التحرك العسكري الأمريكي ضد إيران ستملك إسرائيل حرية التصرف فيما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني. وأخيرا سيكون من الضروري التفكير مليا بماهية الخطر الأكبر، سواء ذلك المتمثل بالتحرك العسكري أو العيش في ظل القنبلة النووية الإيرانية.

بالنسبة للخيار الثالث فهو يتمثل بقبول تخصيب اليورانيوم داخل إيران والإعتراف بعدم القدرة على إيقاف إيران وقبول سيناريو إيران النووية والاستعداد وفقا لذلك. وكما يبدو فإن الإدارة الأمريكية لم تصل بعد لهذه النقطة ولا زالت تفكر أنه بالإمكان منع إيران من أن تصبح دولة نووية، حتى لو أجبرت على قبول تخصيب اليورانيوم داخل إيران، فلا تزال الإدارة الأمريكية ترى إمكانية تشديد الرقابة الدولية على النشاط النووي الإيراني ومنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية. وبناء عليه هناك بعض الأوساط المهنية البحتة وربما حتى في وسط الدوائر السياسية في أوروبا والولايات المتحدة مقتنعة فعلا أن الإمكانيات لردع إيران ضعيفة في أحسن الأحوال وأنه من المقدر لإيران تحقيق هدفها النووي. أينبغي للادارة الأمريكية تبني هذا التقييم، وربما يكون هدفها بعد ذلك الضغط على إيران للوقوف على عتبة أبواب القنبلة النووية وليس بناؤها.

وفي حال توصلت الإدارة الأمريكية إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكنها وقف إيران في مسيرتها نحو امتلاك الأسلحة النووية، سيكون عليها خلق حالات للطوارئ لتتعامل مع هذا الوضع، في البداية يجب المحافظة على عدم الظهور بمظهر الضعيف كي لا تترك الانطباع لدى إيران بأنها قد استسلمت. وربما تكون المسارات الرئيسية لعمل الإدارة: إقناع إسرائيل بعدم القيام بعمل عسكري مستقل، ممارسة الضغط على إيران كي لا تعبر العتبة النووية، محاولة الحوار مع إيران بهدف خلق قواعد اللعب في البيئة النووية في حال عبور العتبة النووية، محاولة تأخير إيران بحيث لا تتمكن من زيادة مخزونها التشغيلي، العمل على منع نقل التقنية النووية لعناصر اخرى بما في ذلك المنظمات الإرهابية، تقوية آلية الردع الإسرائيلي في مواجهة إيران النووية، ممارسة الضغط على دول الشرق الأوسط الأخرى كي لا تنضم لسباق التسلح النووي وربما العمل على مفهوم الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة النووية والذي سيكون له إنعكاسات ليس على إيران فقط وإنما على إسرائيل أيضا.

الخيار بين هذه البدائل الثلاثة ربما سيتم هذه السنة أو السنتين المقبلتين. الاعتبارات الأولية والتي من المحتمل أن تؤثر على قرار الإدارة الأمريكية هي الصورة الواضحة عن إمكانية وفعالية العقوبات القاسية على إيران، تقديم صورة أوضح عن النوايا الإيرانية والتقدم الفعلي لها حول برنامجها النووي، موقف المؤسسة العسكرية الأمريكية المتعلق بالخيار العسكري، الموقف الإسرائيلي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، الأوضاع الأمنية في العراق وأفغانستان وخروج القوات الأمريكية المتمركزة في كل من البلدين ومن المحتمل أيضا حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

الأزمة الداخلية في إيران

تقاسمت القضية النووية الإيرانية في السنة الماضية المسرح مع ازمة إيران الداخلية، ولا شك أن جذور أزمتها الداخلية عميقة وهي نابعة من الشعور بالاحباط وعدم الرضا في وسط أجزاء كبيرة من الشعب الإيراني من النظام ومن خيبة الأمل الناجمة عن عدم تحقيق الثورة الإسلامية لوعودها. إن الإضطرابات التي تعم إيران منذ سنوات عديدة تعكس الرغبة خصوصا في وسط الشباب والنساء بتخفيض النظام لدرجة تدخله في حياة مواطنيه الخاصة، وتوسيع نطاق الحرية السياسية وتحسين الأوضاع الإقتصادية. إن الاضطرابات التي اندلعت في حزيران 2009 على إثر فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في الانتخابات وتمديد فترته الرئاسية لاربعة سنوات أخرى. إن نتائج الانتخابات أُعتبِرَت من قبل العديد على أنها مزورة وكانت السبب في خروج مئات الآلاف للشوارع للاحتجاج على نتائجها وطالبوا بالغائها، والتي سرعان ما تم تبسيط شعار تلك الاحتجاجات ليصبح "الموت للدكتاتور" بإشارة من المحتجين للمرشد الأعلى للثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد.

بالنسبة للمعسكر الإصلاحي فهو ليس موحد تماما، فهو مؤلف من بضعة مجموعات مختلفة: الطلاب والشباب، المفكرين والناشطين الليبراليين، وشخصيات عامة ودينية مهتمة بتزايد سلطة وقوة الحرس الثوري داخل المؤسسة الإيرانية، والذي أثار قلق المواطنون في قطاعي المال والأعمال ومدى تاثير ذلك على الوضع الإقتصادي، وهذه المجموعات لديها مطالب مختلفة بدءا من إجراء انتخابات رئاسية جديدة لإسقاط قادة النظام الحالي وإدخال تغييرات جذرية على النظام. ومنذ أحداث العنف في حزيران 2009، انخفض نطاق المظاهرات وأعمال الشغب قد ولكتها في نفس الوقت لم تختف، فهي تشتعل بين فينة وأخرى خصوصا في أيام ذكرى الأحداث والتواريخ المهمة، حيث يسعى المعسكر الإصلاحي للتأكيد على بقاء الحركة الاحتجاجية على قيد الحياة وتقوم بعملها كما يجب. في الفترات الزمنية ما بين المظاهرات كان الاصلاحيون مشغولين بتنظيم وممارسة بعض الاحتجاجات المحلية المحدودة وإستخدام المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية بهدف الاتصال والتواصل.

إن انخفاض نطاق المظاهرات يعكس مدى نجاح النظام حتى اليوم في كبح زخم الإحتجاجات، حيث لم يفقد النظام السيطرة في اي مرحلة من المراحل إذ لم يستسلم النظام لمطالب الاصلاحيين أو تسوية موقفها، وبدلا من ذلك إختارت السلطة ممارسة سياسة اليد الثقيلة ضد معسكر الإصلاحيين، بما في ذلك استخدام العنف الجسدي بصورة شاملة خصوصا من قبل قوات الشرطة ومليشيات الباسيج، وإعتقال آلالاف الإصلاحيين ومحاكمة البعض منهم في محاكمات صورية وتعذيب وإعدام الناشطين، وتعطيل المؤسسات وأنشطة الاتصال، والتشهير بقادة الحركة الاحتجاجية، وإغلاق الصحف وإعتقال الصحفيين الذين يغطون أخبار الإحتجاجات، والتدخل في المناهج الجامعية وزيادة المحتويات الإسلامية في النظام التعليمي.

وفي مواجهة هذا الاستخدام العنيف للقوة، اضطر الاصلاحيون لتخفيض درجة احتجاجهم ومظاهر قوتهم، ومع ذلك لم يتم سحق الحركة الاحتجاجية بالكامل، وعلى الرغم أن مظهرها الخارجي اصبح أكثر تحفظا إلا أنها اصبحت تتمتع بدعم قوي لدى شريحة مهمة من الناس. إن الأزمة التي وجد النظام نفسه غارقا فيها تكشفت عن ثلاثة صدوع رئيسية في مؤسسة النظام: الأول، صدع بين النظام وجزء كبير من الناس الذين يريدون التغيير في طبيعة الجمهورية الإسلامية، أما الثاني، فتمثل بالصدع في قادة النظام نفسه، بين الفصيل المتشدد المدعوم بصورة رئيسية من قبل الحرس الثوري والإصلاحيين – انضم إليهم بعض المتشددين – من الذين تم دفعهم خارج مواقع القيادة وبحثوا عن مواقف أكثر ليبرالية ضمن إطار الجمهورية الاسلامية، الثالث، تمثل في الصدع في صفوف النخبة الدينية، حيث يوجد مجموعة مهمة لديها العديد من التحفظات حول سلوك قادة النظام والسلطة الممنوحة للحرس الثوري الذي اصبح قوة مهيمنة على الصعيدين السياسي والاقتصادي على حساب القيادة الدينية. ولا شك ان هذه الصدوع تعكس أيضا خسارة الشرعية التي يعاني منها قادة النظام، وعلى وجه التحديد خسارة خامنئي لسلطته الدينية والسياسية في اوساط بعض الإيرانيين.

وبناء عليه وعلى الرغم من فشل محاولة إحداث التغيير، إلا أنه من المرجح استمرار الاضطرابات والتي ستجد لنفسها مخارج يكون فيها العنف هو العنوان ومخارج أخرى لا يكون فيها العنف شعارا لها، ستتخذ هذه المخارج من وقت لآخر شكل هَبَّات منظمة أو عفوية، وهي في هذه الأثناء لا تهدد بقاء النظام وديمومته لأن استخدام القوة قد نجح في منع المعسكر الإصلاحي من العمل ضد النظام في العلن. ومن المرجح أن التغيير سيأتي عندما تتلاقى هذه العوامل الثلاثة: التنظيم الجيد الذي يشمل كافة عناصر الأمة، وليس فقط هَبَّات عفوية أو احتجاجات محلية، العامل الثاني ينعكس من خلال توفر القيادة المؤثرة (الكاريزمية) والتي تستطيع تقديم أهداف واضحة للحركة الاحتجاجية، والعامل الثالث يتمثل بالتصميم على المضي قُدماً بالعمل ضد النظام بصرف النظر عن الثمن والتضحيات. وعلى الأرجح أن مجموعة العوامل المذكورة آنفا لن تأخذ مكانها في إيران في المستقبل القريب. ومع ذلك هناك احتمالية كبرى بأن التغيير سيأتي في النهاية، وذلك بسبب افتقار النظام للشرعية الكافية وتفشي الرغبة الحقيقية بين قطاعات كبيرة من المواطنين في التغيير, ومن المشكوك فيه أنه سيكون بمقدور النظام ضمان بقائه حتى مع استخدام القوة وحدها.

الأزمة الداخلية في إيران لديها مجموعة من الآثار على المسألة النووية، حيث أن أنها مرتبطة بالعقوبات لأن النظام في طهران أصبح أكثر عرضة وضعفا أمام الضغوط بسبب موجة الاحتجاج الداخلي، والتي كانت في جزء منها موجهة للضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد. وفي الجانب الآخر، ازدياد القلق حول تصعيد وتيرة العقوبات الاقتصادية في جو من الاضطرابات الداخلية وهو الأمر الذي قد يأتي بنتائج عكسية وتوجيه اللوم للولايات المتحدة على الوضع الاقتصادي المتردي والذي قد يدفع بالناس للالتفاف حول النظام. إن الحل الذي تبنته الإدارة الأمريكية قام على أساس اختيار العقوبات الاقتصادية والتي من شأنها ألا تؤثر بشكل مباشر على الجمهور بوجه عام، ولكنها موجهة للتأثير بصور أساسية على المؤسسات والمنظمات المرتبطة بالنظام، وأولا وقبل كل شيء المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالحرس الثوري.

ما خلا ذلك، وعلى المدى القريب فإن الضعف الداخلي عرضة لتعزيز تصميم النظام الثابت في سعيه لامتلاك الأسلحة النووية، وذلك بهدف تعزيز وضعه الداخلي وإظهار ثباته وصموده في وجه الضغوط الدولية. إن رفض إيران لصفقة اليورانيوم ينبع في جزء منه لرغبتها في إظهار عزيمتها في ظل الأزمة الداخلية. وعلى المدى البعيد، هل ينبغي في الواقع أن يكون هناك تغيير في إيران وتعديل طبيعة النظام، حيث أن وجود قيادة أكثر ليبرالية لا يضمن الموافقة على التخلي عن مسعاها النووي، وذلك لأن معظم الشعب الإيراني بما فيهم قادة الإصلاحيين يؤيدون حق إيران بتطوير برنامجها النووي، وعلى الرغم أنها قضية نووية فماذا سيكون الموقف من تطوير الأسلحة النووية. وبناء على ذلك فإن وجود قيادة أكثر ليبرالية ستكون على الأرجح مهتمة في فتح حوار شامل وبَنَّاء مع الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية، وهذا يعني أن التهديد الإيراني سيتغير حتى لو امتلكت إيران الأسلحة النووية.

وفي الختام، يمكن القول أن عامي 2009-2010، كشفا النقاب عن بعض الضعف في النظام الإيراني والذي تمثل من خلال: الأزمة الداخلية، الاضطرابات، وتحدي الإصلاحيين للنظام، الضائقة الاقتصادية والتي رافقت النظام خلال أغلب مدة وجوده وهي واحدة من الأسباب التي تقف وراء الأزمة الداخلية، الجهود الواسعة النطاق التي يبذلها المجتمع الدولي لعزل إيران وتقديمها على أنها مصدر تهديد لاستقرار الشرق الأوسط، الخلاف العام مع روسيا العقوبات سواء حول العقوبات أو حول تزويد إيران بمنظومة إس – 300، وتركيز العقوبات في المستقبل القريب. وعلى أية حال يستطيع النظام تقديم بعض نجاحاته المهمة: قمع الاحتجاج بالقوة، وحتى لو استمر بالوجود، فإن هَبَّاته الجماهيرية المفتوحة ومنذ تموز 2009 أصبحت محدودة، يُعتبر البرنامج النووي في إيران مشروع وطني بدون أي معارضة حقيقية، كما أصبح التأثير الإيراني أكثر عمقا خصوصا في العراق، أفغانستان، لبنان وقطاع غزة، ولا مجال للشك في حصول إيران على الدعم من شعوب مهمة مثل تركيا والبرازيل والتي عملت لتخليصه من خطر العقوبات. وخلاصة القول فيما يتعلق برصد الانجازات والقيود هو: أن النظام الإيراني وعلى الأقل حتى الآن لديه ما يكفي من الأدوات للاستمرار بسياساته الحالية وخصوصا ما يتعلق بالمسألة النووية.

https://www.alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=788