A+ A-
حوار ونقاش حول فليم الجنة الان
2006-04-01

نظم برنامج ملتقى الشباب الديمقراطي الأردني في مركز القدس للدراسات السياسية يوم السبت الموافق الأول من شهر أبريل/ نيسان 2006، جلسة نقاش لفيلم "الجنة الآن"، للمخرج الفلسطيني هاني أبو اسعد، الحائز على العديد من الجوائز العالمية، جرى بعد ذلك حواراً مستفيضاً شارك فيه الحضور من الشباب، إلى جانب بعض الشخصيات المهتمة بالشأن الفلسطيني، وبالشأن السينمائي. أدار الحوار دانيا أسعد عضوة الملتقى.

قبل عرض الفيلم قدمت عضوة ملتقى الشباب الديمقراطي الأردني، دانيا أسعد تلخيصاً للفيلم، قالت فيه، ان فيلم "الجنة الآن"، هو فيلم مثير للجدل من فلسطين ، ومن اخراج هاني أبو أسعد الهولندي من أصل فلسطيني، الذي هاجر الى هولندا عام 1980 وهو في التاسعة عشرة من العُمر، وهو أيضاً، سيناريو هاني أبو أسعد، وبير بيير، وبيري هودكسون، وبطولة، قيس ناشف، وعلي سليمان، ومن انتاج، بيرو بيير.

وذكرت، أن الفيلم يتحدث عن شابين فلسطينيين يتحضران للقيام بإحدى العمليات الاستشهادية (الانتحارية) في إسرائيل. وقد تم ترشيح الفيلم مع خمسة أفلام أخرى للحصول على جائزة أفضل فيلم غير أمريكي في مهرجان الأوسكار لعام 2006، الفيلم باللغة العربية، وهو مترجم الى اللغة الانجليزية، ومدته 90 دقيقة.

حوار ونقاش وآراء متعددة

بعد الانتهاء من عرض الفيلم، دار نقاش حواري حول الفكرة التي يدور حولها الفيلم وهي "ثقافة الموت" التي ينتهجها بعض الشباب الفلسطيني لمواجهة عدوهم الاسرائيلي المحتل لوطنهم، حيث، استهلت دانيا أسعد المتابعة الحوارية بتوجيه سؤال للحضور من الشباب، حول رأيهم بـ"ثقافة الموت" التي يريد أن يخضعها مخرج الفيلم المخرج أبو أسعد فيلمه "الجنة الآن" للنقاش، بعد أن تركها مفتوحة للمشاهدين ليدلوا كل منهم برأيه الخاص.

تهاني: من بداية التاريخ أي شعب يتعرض للاحتلال له حق في المقاومة، لكن أرى أنه في الشأن الفلسطيني خاصة والعربي عموماً، يتم تسليط الضوء علينا من قبل الغرب الذي يتهمنا بالارهاب وبأننا إرهابيين. وأنا أرفض تسميتها بـ "ثقافة موت"، وانما هي "ثقافة تحرير"، يمكن أن نختلف بالمسميات والمعايير.داليا: العمليات الاستشهادية هي مجرد "تعبير" عن الغضب، وهي تعبير عن مكنونات الشعب الفلسطيني نتيجة للقهر والذل الذي يتعرض له على أيدي محتلي وطنه. فهي إذن تعبير عن الغضب أولاً، وثانيا، هي رفض للواقع الحياتي الذي يعيشونه. لماذا نحن نعيش هكذا تحت احتلال؟، لماذا يجري هكذا معنا؟. فالعمليات الاستشهادية هي مجرد تعبير عما يجري، انتم أيها الاسرائيليون تريدون لنا الموت، إذن نحن أيضاً نريد أن نقتل أنفسنا، ولكن مع جنودكم .
أنا لا أقول أنني مع أو ضد هذه العميات، ولكن أقول بالنسبة لـ"ثقافة الموت" لماذا وجدت لدى الفلسطينيين؟. وجدت لأنها للتعبير عن الغضب الذي يعتمل في صدورهم بشكل عام. اعتقد أن هذه العمليات تأتي بمعنى "التحدي" من قبل الشباب الفلسطيني للمحتل الاسرائيلي اكثر مما هو تعبير عن الغضب. حتى أنها ليست انتقاماً، كما ذكرت الفتاة الفلسطينية التي كانت تعيش خارج فلسطين، حينما ناقشت الاستشهاديين، بتساؤلها، هل أنتم تنتقمون من اليهود بهذه العمليات؟، اعتقد انه تحدي غاضب، ولكنهم لا يعرفون طريقة أخرى للتنفيس بها عن غضبهم هذا. فالشابين، عايشوا العمليات الاستشهادية التي مّر عليها وقت طويل.ـ ما هي الدافع برأيك لتنفيذهم هذه العمليات الاستشهادية؟

داليا: الدافع أنهم يريدون أن يحرروا بلدهم بطريقة أخذوها عن أجدادهم.أحمد: الناس الذين اختاروا هذه الأحداث والشخصيات الموجودة في الفيلم، أو حتى الناس الذين يختارون طريق العمليات الاستشهادية لمجابهة العدو المحتل، هم يريد الحياة وليس الموت، لأنه بنظرهم أن "الجنة"، هي الحياة التي يتمنى ان يعيشوها. في آخر لحظة شاهدناها في آخر لقطات الفيلم، هو أن أهم شيء في الحياة عاشه الاستشهادي، هو أنه استطاع عمل شيء لشعبه ووطنه، بهدف تغير واقعه السيء الذي يحياه. ففي النهاية استطاع الوصول إلى هؤلاء المحتلين، وبخاصة الجنود، ليعبر عن الشيء الذي يتفاعل داخله. لا يوجد أحد يفكر في الموت، وانما حتى في آخر لحظة كان يفكر في تحقيق حياة أفضل لشعبه، لأنها هي آخر لحظة يدرك فيها معنى الحياة. أما ما بعد الموت والجنة والنار فهذا موضوع آخر، يمكن أن يكون هذا جزء من القناعة التي دفعته لعمل هذه العملية الاستشهادية. ولكن هذه الثقافة من الخطأ أن نسميها بـ"ثقافة موت"!، وانما هي "ثقافة، اختيار نوع آخر من الحياة"!ايمان: في حالة هذين الشابين، الظروف التي يعيشونها والمحيطة بهم، هي التي دفعتهم للذهاب لتنفيذ مثل هذه العمليات، وليس فقط الدافع السياسي أو الديني هو الذي دفعهم لتنفيذها. فالشاب سعيد، كان أبوه عميلاً للاحتلال، وهو يريد أن يثبت أنه عكس أبيه، فهو مناضل وطني وشريف. لربما هكذا كان تصوره.

أسيل: بصراحة أنا ضد هكذا عمليات!. لأن توظيف الغضب خاطىء فيها. فقد تم استغلال الشابيين من خلال النواحي الدينية، أو لربما غلفوا عملياتهم بنواحي دينية. لو تم تنفيذ هذا العمليات بطريقة منظمة أكثر وأفضل، كان بالامكان إعطائها شرعية أكبر.أنس: بالنسبة لإجابة على السؤال الأول ـ لا أريد أن أدخل في موضوع الخطأ والصواب، فمن الخطأ أن نقارن بين شخص ينهي حياته بالسويد، والفلسطيني الذي ينهي حياته في فلسطين. الذي رأيناه في الفيلم، والمقصود بهذه العمليات ـ لا أريد أن أسميها حتى لا ندخل في جدل ـ فالهدف هنا أن الشاب المنفذ لمثل هذه العمليات هدفه ليس إنهاء حياته كشخص، وانما هدفه انهاء حياة شخص آخر. أما المواطن السويدي الذي ينتحر فهدفه انهاء حياته فقط، وبدون أن ينهي حياة شخص آخر معه. أما الفلسطيني على أرض فلسطين فهدفه انهاء حياة شخص آخر، وليس حياته شخصياً. ولو كان الهدف انهاء حياته كشخص، لذهب وحده إلى إحدى الغابات أو إلى أي مكان منعزل ويضع سكينه في صدره، وبهذه الطريقة ينهي حياته. فالفكره أن هذان مفهومان مختلفان بالمطلق، ولا يوجد وجه للمقارنة.و اذا ما حملت رشاشاً، وذهبت الى قاعدة عسكرية ونفذت العملية وقتلت، فإن هذا لا يُعد انتحاراً، لأن هناك نسبة مئوية ما، ومهما كانت ضئيلة أن تنجوا بحياتك، فلا ُتقتل، ولربما تهرب أو تعتقل، ولكن هناك نسبة مئوية وأن كانت 1% في أنك ستنجوا. أما حينما تضع المتفجرات على صدرك فانك سوف تقتل لا محالة، فلا يوجد أي نسبة مئوية افتراضية للنجاة من الموت.

فادي: هناك اسقاطات كثيرة في الفيلم، فسعيد لديه دوافع دينية للقيام بالعملية الاستشهادية، بينما خالد، فقد كان أبوه عميلا للاحتلال وهدفه هو الثأر لوالده، ونفي التهمة عن نفسه، بإختلافه عن والده فهو وطني وليس عميلاً، فخالد يواجه ضغوطات اجتماعية كبيرة كونه ابن عميل.أسيل: هذا أفضل وهكذا أنت تموت بكرامتكهيثم: الفيلم يصور العمليات الاستشهادية كأنها عمليات انتقامية، وليس عمليات تهدف إلى طرد الاحتلال الاسرائيلي، كما قالت صديقة الاستشهادي خالد، هل تريدون أن تنتقموا من الاسرائيليين؟. هي تريد أن تحول المعركة وكأنها معركة اخلاقية. اسرائيل ليس لديها اخلاق، أن من يقتل الاطفال ليس لديه أخلاق. فهذا الاحتلال يذكرك يوميا بالقهر والهوان والذل، وبعدم وجود بصيص لأمل مشرق في الحياة مهما كان ضئيلاً لدى الشباب الفلسطيني، الذي يشعر بأنه ليس لديه مستقبل.أما بالنسبة لـ"ثقافة الموت"، التي يطرحها الفيلم، أقول أنه لا يوجد وجه مقارنة بين ثقافة الموت في فلسطين، التي تتم عبر العمليات الاستشهادية لتنفيذ هدف نبيل، وبين السويدي المرتاح، والمرفه ويقدم على الانتحار، فهذا شخص ليس له هدف بالحياة. كما عليه الفلسطيني الاستشهادي الذي يموت من أجل هدف نبيل، ويقتل عدوه المحتل لأرضه.

أنس: أنا ضد ما يسمى بـ"ثقافة الموت" التي يمارسها الاستشهاديين الفلسطينيين، بالرغم من أن المقاومة مشروعة لهم، وباستطاعتهم أن يقوموا بها في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الجنود والمستوطنين الاسرائيلين. في حين أن الفيلم لم يخدم قضية الاستشهاديين عبر ما يطرحه من فكرة "ثقافة الموت".فادي: الفيلم تحدث عن لحظة الموت قبل 24 ساعة من تنفيذ العملية الاستشهادية. أنا من المؤيدين لهذه العمليات الاستشهادية، ومسألة أنه استشهادي أو انتحاري، أو هو ذاهب الى الجنة أو النار لنتركها لرب العالمين هو الذي من يقرر مصير هؤلاء الاستشهاديين.احمد: هل هناك حق للانسان لكي ينهي حياته بنفسه؟، بغض النظر عن الدين أو المقاومة للاحتلال. فالدين وكل الشرائع السماوية والوضعية شرعت لمن تحتل أرضه أن يقاوم المحتل، وأن يقدم حياته ثمناً لحريته وحرية وطنه.

اشرف: لدي نقطتان، السؤال حول ثقافة الموت، هل هذا السؤال جاء بناءاً على مجريات الفيلم أم ماذا؟، أو بناء على أرض الواقع؟دانيا اسعد: بناء على ما شاهدناه في الفيلم؟الفيلم لم يخدم حقيقة قضية الاستشهاديين، بل وضع الناس في حالة من الُلبس والغموض، وشوش أفكارهم، وخلق حالة من البلبلة لدى أولئك الذين لا يمتلكون المعلومات عن مجريات القضية الفلسطينية. بالنسبة لـ "ثقافة الموت" أو الاستشهاديين، وهل باستطاعة الانسان قتل نفسه أم لا؟، الاستشهادي يختلف عن الآخرين، بأنه يمتلك قوة روحية لم يصل إليها شخص آخر، فهو يستطيع أن يقتل نفسه. ومن لا يستطيع أو من لا يمتلك هذه الروحية بأن يقتل نفسه، يقوم بلوم الاستشهادي. في حين أن النظرة للاستشهادي، والعمل الذي يقوم به تختلف من شخص لآخر.

احمد: ما توصل اليه الشباب الفلسطيني هي نتيجة للقمع الاسرائيلي، والذل والهوان الذي يواجهه على ايدي جنود الاحتلال. اعتقد أن الشباب الفلسطيني الذي يقوم بالعمليات الاستشهادية هو مقتنع تماماً بجدواها ونجاعتها، وإلا لما قام بها. هذا اضافة الى أن المحتل الاسرائيلي لم يترك له أي خيار آخر لايقاع أقسى الضربات بجنود الاحتلال والمستوطنين، إلا باتباع هذا الطريق، وهذا الأسلوب، وهو تقديم أجسادهم فداء لوطنهم، ولتحريره من المحتلين الاسرائيليين.

أمجد: بالنسبة لـ"ثقافة الموت" أولاً، أنا ارفض أن تسميتها بهذا الأسم. ثانيا، ما يمارسه الشباب الاستشهادي، هو تعبير عن رفضهم لواقع الحياة المعاش والمزري، حيث القهر والذل والهوان، والقتل والاعتقال، وهدم المنازل وتجريف الأراضي، والبطالة، والفقر، فالدوافع برأي موجودة، ولكن تختلف من شخص لآخر.ابراهيم: الاحتلال يذكرك يومياً بالذل والقمع الذي تعيشه كإنسان فلسطيني. لهذا يجب على الشباب الفلسطيني أن يجد طريقة ما للرد على هذا العدو المحتل. والمسألة ليست بحجم القوة العسكرية وقدرتها على القتل، والاعتقال، والقهر، وانما هي في توازن الرعب الذي أوجده الاستشهاديين مع عدوهم رغم تفوقهم العسكري، فقد استطاع الاستشهاديون إيقاع خسائر فادحة في صفوف الاسرائيليين. أما الأنكى من ذلك كله أن المحتلين اليهود يحاولون دائماً تصوير انفسهم للعالم كضحايا!، فهم جلاد وضحية في نفس الوقت. اعتقد أن هناك الكثير من الخيارات للنضال، وليس فقط عبر العمليات الاستشهادية.

خالد: أحب أن أتوقف عند شخصية كل من الاستشهاديين خالد وسعيد، فهم حقيقة لا يمثلون شريحة الاستشهاديين "الذين قضوا نحبهم"!، بمعنى من المعاني. أريد أن اتوقف أيضاً عن مسألة الربح والخسارة بالنسبة للاستشهادي أو الانتحاري، سعيد يسأل خالد، هل ما نفعله صواب أو يحتمل الخطأ؟، على ما يبدو أن المخرج ترك الاجابة على هذا السؤال مفتوحة، وهي ما زالت حقيقة مفتوحة أمام الكثير من المختصين من سياسيين وايدلوجيين وعلماء الدين، حيث أن يدور جدل كبير، وهناك وجهات نظر مختلفة حول هذه العمليات الاستشهادية. هل هي حلال أم حرام؟، ما هي دوافع الموت..الخ؟. على ما يبدو أن شخصية خالد، هي شخصية متدينة، يريد أن يحظى بمقعد في الجنة. بينما سعيد، شخص يريد أن يثأر للواقع الذي يعيش فيه، ويريد أن يثأر لكرامته كون أبيه عميل. بالتالي اصر على تنفيذ العملية الاستشهادية وتفجير نفسه، وهو ما رأيناه في نهاية الفيلم، وهو يركب الباص المحمل بالجنود الاسرائيليين.
إذن خالد انطلق من دوافع دينية، كما رأيناه عندما ذهب للصلاة قبل أن يغادر لتنفيذ العملية، بينما سعيد لم يصلِ، فسعيد لم يكن متديناً، وانما رأيناه قبل أن يغادر يذهب ليودع حبيبته ويقبلها. لهذا فالسؤال الذي يتبادر الى الذهن هي مسألة الربح والخسارة، لدى هؤلاء الشابين، هل هي بسبب وجود الدين؟، أم بسبب عدم وجوده؟. كذلك لا نستطيع أن نشبه المواطن الفلسطيني الذي ينفذ هكذا عمليات استشهادية، بالشخص السويدي الذي ينتحر نتيجة لكثرة الرفاهية، أو أي شخص آخر يعيش مرفهاً في دول أوروبا الغربية ويقدم على "ثقافة الانتحار"!. اذن القضية هي قضية ربح وخسارة بالنسبة لهذا الاستشهادي.

احمد: أثناء الحوار الذي دار بين الاستشهاديين قالوا أن المحتل لم يترك لنا خياراً!؟، نحن ليس لدينا لا دبابات ولا طائرات، ولا يوجد لا مدفعية وصواريخ لنقصف بها القواعد العسكرية الاسرائيلية، فلا يوجد أمامنا سوى لبس الحزام الناسف، والذهاب لايقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف العدو. واشار إلى أن الفيلم موجه للأوروبيين وليس لنا كعرب.

اسيل: شخصيا، لا يهمني أن تصل أو لا تصل فكرتي الى الأوروبي أو الأمريكي، طلما أنه لا يسأل، لماذا أقدم نفسي وروحي وانتحر، بل يجب أن يسألوا أنفسهم، لماذا الاسرائيلي يقتل طفلة فلسطينية تبلغ من العمر أربعة اشهر؟، ماذا فعلت له هذه الطفلة؟. لهذا أقول لا الأوروبيين ولا الأمريكيين يهمونني، ولا أريد أن أعيرهم اهتمامي. أنا لا أسأل فيهم، المقاومة حق مشروع لي، فهي ليست أرهاباً كما يصفونها.فادي: تأكيداً لحديث زملائي، فهذا الفيلم لا يعكس واقع العمليات الاستشهادية. بل يعكس تناقضاً واضحاً، حتى لو تم تقديم هذا الفيلم للغرب، فمهما اختلفت الصّور التي باستطاعتنا تقديم الاستشهادي فيها لهم، فالفيلم قدم صورة الانسان الاستشهادي الذي يمتلك الدافع الديني والوطني بأنه انساناً متردداً في معتقداته، ومشككاً بها، لهذا اقدم أحد الاستشهاديين على الانسحاب من تنفيذ العملية الاستشهادية رغم قناعته بأن مصيره الجنة. أما الذي اقدم على تنفيذها، فهو انسان يعاني من عقدة نفسية ومن ضغوطات اجتماعية، كونه أبناً لعميل للمحتل!، بالتالي، هذا الانسان الذي نفذ العملية الاستشهادية لا يمثل القضية الفلسطينية، ولا قضية الاستشهاديين، ولا يجب ان نقدم فكرة الاستشهاديين بهذا الأسلوب وهذه الفكرة ناقصة وخاطئة عن الاستشهاديين. فهذا الشخص ليس نموذجاً، ولا يمثل نموذج الاستشهادي الفعلي.سليمان: هناك فكرة تولدت في الفيلم، عندما قالت له صديقته (صديقة الاستشهادي سعيد)، أن الأصل أنه ليس الانتقام، فالناس سوف لن ُتميز بين الضحية والجلاد المعتدي. فأصل الفكرة أنهم يريدون أن يقدموننا كضحايا، لا حول ولا قوة لهم، فإلى متى نبقى ضحايا؟، وهل بقائنا ضحايا يكسبنا المعركة سياسياً على الصعيد الدولي؟. مثلما يتصرف بعض القادة العرب، الذين يتوسلون الحل السياسي من العدو الاسرائيلي، ليقولوا أننا بهذا الأسلوب نحاول أن نكسب المعركة سياسياً!، فالعرب لا يفكرون أبداً بكسب المعركة عبر الحل العسكري، فهو آخر حل يفكرون فيه. وهنا أتساءل إلى متى نبقى ضحايا؟، لماذ تنحصر الخيارات أمام الاستشهادي، إما أن يتهم كإرهابي، واما أن يبقى ضحية لا حول ولا قوة لها!؟.ـ منذ فترة سمعنا أن عائلة اسرائيلية مكونة من زوج وزوجته وطفلته دخلوا على كنيسة البشارة في الناصرة وقاموا بتكسيرها واحراقها، وهذه أسرة تعيش في مجتمع مدني اسرائيلي، كيف يتم تصنيفها برأيك؟

عريب: هؤلاء فاشست!. أي ارهابي، بغض النظر عن الجنسية والمعتقد، فهو ينتمي الى أسرة، وهو مدني ربما لا يكون عسكري، ولكن هذا لا يبيح له قتل المدنيين في أي حال من الأحوال. فيجب أن يدان هذا العمل، سواء صدر عن فلسطينيين، أو يهود، أو عن عرب أو مسلمين، أو مسيحيين. أقول أن أي عمل يستهدف المدنيين، سواء كان عملاً استشهادياً أو غيره، فهو:أولاً، يلحق الضرر بالقضية الفلسطينية، وبالفعل فقد ألحقت هذه العمليات الضرر بالقضية الفلسطينية. ثانيا ان هذه العمليات غير مجدية، فهي من طبيعة الجرم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني.
أما فيما يخص الجنود والمستوطنين فاستهدافهم متاح ومبرر، فهذه مقاومة، سواء كانت بعملية استشهادية أو أي نوع آخر. فهذه العمليات كفلتها له الشرائع السماوية والوضعية. نحن كشعب فلسطيني لديه خبرة مائة عام من الكفاح، واعتقد أن الخلاصة التي ترتبت على هذه الفكرة أنه من الأجدى للشعب الفلسطيني ان يحصر في المدى المنظور معركته في الجنود والمستوطنين، ولا يوسع الدائرة.

مالك: الاعتداء على المدنيين بالنسبة للكيان الغاصب هو ليس فقط مباحاً، بل هو واجب، "فإذا اعتدوا عليكم، فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم"!.ايمان: بداية لا وجود لمجتمع مدني يهودي، فهو موجود على ارضٍ ليست أرضه، ونحن نصنفه بأنه صهيوني. فوجوده في أرض يعرف تماما أنها ليست له، فهذا يشكل اعتداء على الشعب الفلسطيني، هذا أولاً.وثانياً، ما هي المكاسب السياسية التي حصل عليها الشعب الفلسطيني، جراء المفاوضات المستمرة منذ ما يزيد عن خمسة عشرة سنة، التي نتحدث عنها؟، إذا ما قلنا ان العمليات الاستشهادية أو الارهابية، لا تخدم المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، هنا اطرح السؤال، وإن بشكل معكوس، ما هي الخدمات والمكاسب التي قدمتها التحركات السياسية للشعب الفلسطيني؟، فطاولات المفاوضات السياسية، ارجعت القضية الفلسطينية الى الخلف عشرات السنين. الافضل أن نترك الموضوع لاصحابه، اذا هم ما إرتأوا أنه بهذه العميات يمكن أن يحققوا مكاسب لقضيتهم، فدعوهم يكسبوها بطريقتهم الخاصة، لأننا نحن من الخارج نتفرج وننتقد فقط، ولكن أقول أن "أهل مكة أدرى بشعابها"!.

عريب: هذا المطروح أن من يتحدث من الخارج يتفرج وينتقد، والذي يتحدث من الداخل له الحق، لو كان الشعب الفلسطيني في الداخل كله موحداً خلف هذه العمليات قلنا هذا صحيح، ولكن الشعب الفلسطيني ليس موحداً وليس كله مؤيداً لمثل هذه العمليات.ايمان: حتى لو كان الشعب الفلسطيني ليس موحدا خلف العمليات الاستشهادية، فالدبلوماسية لم تخدمه أيضاًنضال: أوجه سؤال للاستاذ عريب، ما الفرق بين المدني والعسكري في المجتمع الاسرائيلي؟، مع العلم انهم جميعاً تربوا تربية عسكرية.ثانيا، لربما يقصد الأستاذ عريب الناحية "الاعلامية" في القضية، وأسلوب استغلالها في قضية ما يسمى باستهداف المدنيين، هنا ترجع المشكلة الى الخلل الاعلامي، وليس الاستهداف نفسه.

مالك: أنا لا أريد أي تعاطف دولي، أو إعلامي، سواء كان عربياً أو أوروبياً أو أمريكياً، لأن التعاطف الدولي، لم يفدنا بشيء، وللأسف وأنا أقرأ في صحيفة يومية أردنية، قبل أيام قلائل، قرأت خبر " بإمريكا اعلنوا عن سجن قاتل سمكة 15 عاما"!؟. فالامريكان مهتمين بالاسماك وليس بالفلسطيني الذي يقتل يومياً على أيدي جنود الاحتلال الاسرائيلي، أو الذي يقدم على تنفيذ عملية استشهادية. ولهذا لا أريد أي تعاطف من قبل الغرب كله.

أمجد: السؤال للأستاذ عريب، إذا كانت العمليات الاستشهادية لم تخدم القضية الفلسطينية، هل السياسة، وعملية التفاوض خدمتها؟أنس: انتم ركزتم على صورة خالد وسعيد، الصورة التي قدمها الفيلم للاستشهاديين، فالصورة المقدمة هي جزء حقيقي من الواقع، وهي موجودة حقيقة في فلسطين. ففي فلسطين يعيش مسلمين ومسيحيين، وهم يقومون بمقاومة المحتلين الاسرائيليين. ولكن أقول، أنه في صفوف الفصائل الفلسطينية المختلفة المقاومة للاحتلال هناك جدل واختلاف حول تنفيذ العمليات الاستشهادية. فهناك من يعارض تنفيذها في المدن الاسرائيلية، وضد أهداف مدنية اسرائيلية، ويريد أن يركز تنفيذها ضد المستوطنين والاهداف العسكرية الاسرائيلية الموجودة في الضفة وقطاع غزة. فالذي يصلي أو لا يصلي يقاوم، والمسلم والمسيحي يقاوم، والمتدين واليساري يقاوم. فهذا جزء من الواقع المعاش في فلسطين، وليس الواقع يكامله بالطبع. فهناك العديد من حركات اسلامية تمجد العمليات، وهي متحفظة أكثر بالاسلام، وهناك جهات أقل دينية، ويسارية، وجهات مسيحية، لا تمجدها، ولكن الجميع يقاوم، ولكن كلٌ بطريقته، وبأسلوبه. فالفيلم لم يلفق، ولكنه عكس جزءاً من الواقع.أحمد: الفيلم قد يكون جزءاً من الواقع الذي نعيشه، أو الذي يعيشه الاستشهادي، ولكن نظرة الفيلم للاستشهادي، نظرة مرفوضة جملة وتفصيلا،وهي نظره ناقصة ومجزوءة، فالفيلم سوف يعرض للغرب وسوف يراه ويشاهده الكثير من الشعوب. أذكر أنني شاهدت مقطع من فيلم لمحمد هنيدي، "جاءنا البيان التالي"، في أحد المهمات أرسل الى فلسطين، وصور عملية استشهادية، اتتذكر أن مقطع العملية الاستشهادية تلك، يمكنني أن اعرضها للعالم فهي أفضل مما عرضه هذا الفيلم. فالصورة التي عرضها فيلم محمد هنيدي، تصور شاب قتل والديه جراء هجمة اسرائيلية، ولهذا بات هذا الشاب يعمل ليل، نهار من أجل أن يربي أخوته الصغار، ولكنه في نهاية الأمر، تطوع لكي يضحي بنفسه، من أجل والديه، اللذان قتلهما جنود الاحتلال، ومن أجل تحقيق مستقبل أفضل لإخوته وأهله في فلسطين. فهذه هي الصورة التي يمكن أن انقلها للغرب، أو للمشاهدين الأوروبيين، وأن أقول لهم بكل فخر، هذا هو الاستشهادي!. لكن الصورة التي شاهدناها في فيلم "الجنة الآن"، هي صورة ناقصة، وأي شخص يشاهدها، بخاصة إذا كان أجنبيا، فهو بكل تأكيد سيقول أن هذا انتحاري، أو إرهابي، وليس استشهادي. ونحن لو ابتعدنا قليلاً عن ديننا لقلنا أن هؤلاء إرهابيين وليسوا استشهاديين.

تهاني: طالما يتحدثون أن هذا الفيلم موجه للغرب، فالخطأ الوحيد، هو أننا نعرض للمشاهدين الغربيين، صورة الاستشهادي الخائف والمتردد ،وهذا ليس من مصلحة قضية الاستشهاديين. وللأسف أننا أبرزنا انفسنا للغرب بأننا أناس خائفين مترددين في محاولتنا لنيل حقوقنا والحصول عليها بالقوة، كما أخذت بالقوة، رغم أن الشيء الوحيد الذي يخوفهم منا كوننا لدينا القدرة على التضحية بانفسنا من أجل تحرير وطننا.انس: بخصوص الفيلم، هو يعكس شريحة موجودة، وبالتأكيد هناك شرائح أخرى موجودة، وحتى الشريحة التي عكسها محمد الهنيدي في فيلمه، هي أيضا موجودة، فهو قدم نموذجا لشخص اغلقت الأبواب في وجهه وقام بتنفيذ العملية، ولم يقدم لنا نموذجا قام بعملية لدوافع دينية. لهذا هناك العديد من الشرائح التي لديها أكثر من وازع ودافع. والنقطة، التي تحدث بها الأستاذ عريب، وقال بأن كل العمليات أو المفاوضات خدمت القضية الفلسطينية، فهذا صحيح، ولكن في ميزان الربح والخسارة، يجب أن نقيس كم حققنا ربحاً وكم خسرنا!. ولا يجوز أن نقول أن طاولات المفاوضات لم تحقق شيء!؟، بل حققت الشيء الكثير. وحتى الحركات والتنظيمات التي أخذت بخيار المقاومة، مثل حماس، والجهاد الاسلامي، تعترف بذلك. وعلى سبيل المثال، فحركة حماس حالياً تميل إلى المهادنة وبدأت تتحول إلى الخيار السياسي وليس العسكري، بخاصة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية. لهذا يجب حساب الربح والخسارة، وكم حققنا من مكاسب للقضية الفلسطينية.

جورج (جورجيا): الفيلم كان ممتاز جدا، لدي سؤال واحد، بالطبع المقاومة ضرورية، بسبب وجود الاحتلال. ولكن هل يجب تنفيذ العمليات الاستشهادية، ضد المدنيين الاسرائيليين، أم لا؟. وهل هذه العمليات يمكن أن تعطي لاسرائيل ذرائع لإدامة احتلالها للاراضي الفلسطينية، وقضم المزيد من هذه الأراضي، أم لا؟ .

لطفي: المخرج ذكي جداً عندما وضع الاستشهاديين في حالة من الخوف!، كّونْ الفيلم موجه للأوروبيين لإعتقادهم أن الاستشهاديين، وصلوا إلى مرحلة الوحشية وابتعدوا عن الانسانية، لهذا فالفيلم يقول للأوروبيين، أنه لا زال لدينا أنسانية عالية، ولا زلنا نخاف، وأي استشهادي، لديه خوف، حتى ولو وضع روحه على كفه. فبغض النظر عن الدافع لدى هذا الاستشهادي، إلا أنه شعر بالخوف. فهو انسان عادي، طبيعي، يشعر بالخوف قبل تنفيذ العملية.

شادي: مفهوم "ثقافة الموت"، من أجل مناقشتها بطريقة علمية، يجب ان نحاول أولاً أن نصل إلى تعريف لهذه الثقافة!. فثقافة الموت، هي "اللحظة" قبل مفارقة الحياة، أما ما بعد ذلك يمكن أن نتناقش فيها، ويحق لنا أن نتساءل، هل هو انتحاري، أم استشهادي؟. وما هو حكمه في الدين، أو في المفهوم الوطني، هذه أمور أخرى. فـ "ثقافة الموت" هي كم من القدرة التي يمتلكها "الشخص الاستشهادي" لكي يقدم على تفجير نفسه، سواء كان مسلماً في فلسطيني ـ مع وجود فارق كبير في التشبيه ـ أم كان سويدياً مرفهاً، ويشعر بالملل من حياته، واقدم على قتل نفسه؟. من أجل أن نسميها "ثقافة موت"، يجب أن نطرح السؤال الذي توجهه هذه الثقافة، هل زاد عدد الأفراد الذين أقدموا أو هم على استعداد بأن ُيقدموا على تنفيذ مثل هذه العمليات؟، هل هم في إزدياد على مستوى العالم أم لا؟؟. الجواب هو بنعم!، لأنه بالفعل، إزداد عدد الناس مع الفارق بالأسباب.
أما الفكرة أو الثقافة التي يعرضها الفيلم المسمى بـ "ثقافة الموت"، والتي يحملها الاستشهاديون الفلسطينيون، فعي تعبير عن وصول هؤلاء الاستشهاديين الى قناعة، بأنهم هم وحدهم لهم الحق في تقرير الزمان والمكان الذين يقدمون فيه على إنهاء حياتهم، مقابل أن يصل هذا الانهاء للحياة إلى معنى أو قيمة معنوية معينة، تمثل قتل العدو المحتل والانتقام منه، ومن ثم الوصول إلى حياة رغيدة في الجنة الموعودة. هذا يمكن أن يكون اجتهاد في تعريف "ثقافة الموت" التي تزداد بشكل يومي، مع الفارق في الأسباب عند المجتمعات المختلفة.
ـ ألا تعتقدون أن الدافع في كل الأحوال هو نفسي، أكثر من أي شيء آخر، طالما نحن قارنا بين الانتحاري في السويد، أو الاستشهادي في فلسطين؟.

عريب: اعتقد من أنه الخطأ حصر المسألة بسؤال ضيق، على طريقة أجب بنعم أو لا؟، اعتقد الاجابة معقدة في هذا الموضوع، بما أنني رأيت الاجماع، وأنا لست ضد الاجماع، شخصيا، اعتقد أن العمليات التي تستهدف مدنيين، من وجهة نظري مرفوضة سواء كانت استشهادية أو غيرها، بغض النظر على انتماء هؤلاء المدنيين!. فنحن حريصين كل الحرص، على عدم إحاطة الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني، بأي ُشبهة أو التباس، والعمليات المستهدفة للمدنيين تثير الشبهة والالتباس، وتثير النقمة والتحفظ، وتثير الادانة والتنديد، وثبت أنها لا تخدم كثيراً المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.