A+ A-
لماذا لا تستطيع قوى المعارضة العربية أن تعمل معا؟
2007-03-25
تمر المجتمعات العربية بلحظة تاريخية فارقة تصارع فيها شعوبها من اجل الالتحاق بموجة التحول الديمقراطي التي سادت العالم على امتداد العقد المنصرم، سعيا وراء تجاوز الأبنية السياسية التسلطية التي سادت طوال حقبة ما بعد الاستقلال، إلا أن عملية المخاض تلك تلاقى صعوبات شديدة وتراجعات معقدة على الرغم من ضعف وهزال بنية الأنظمة التسلطية وتآكل شرعيتها وإفلاسها السياسي، وتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية على وجه العموم في معظم البلدان العربية، وهو ما يعنى أن تعثر لحظة ولادة الديمقراطية لا تعود بالأساس إلى تماسك الأنظمة الحاكمة أو استمرارية قدرتها على النهوض بأعباء التنمية وتحقيق قدر من الرخاء الاقتصادي والأمن الاجتماعي، خاصة بعد اتجاه موارد الاقتصاديات الريعية للنضوب ،وشيوع الفساد من جهة ،ومعاناة سكان هذه المجتمعات من بروز الوجه الخشن للأنظمة البوليسية من جهة أخرى في مواجهة أي معارضة حقيقية.

وعلى الرغم توافر الظروف الموضوعية لعملية التحول الديمقراطي كما أسلفنا إلا أن نقطة الضعف الأساسية تكمن في ضعف الظرف الذاتي المتمثل في تحلل وغياب قوى المعارضة القادرة على انجاز عملية التحول ، ولعل ابرز مظاهر هذا الضعف هي عجز قوى المعارضة على العمل المشترك بصرف النظر عن سقف هذا العمل المشترك الذي يبدأ من التنسيق في بعض المواقف والأحداث نهاية ببناء تحالف سياسي واجتماعي واسع قادر على تقديم مشروع حقيقي للتغيير الديمقراطي.

هذه الوضعية أو الأسباب وراء ضعف قوى المعارضة عن مواجهة الأنظمة التسلطية الحاكمة تكاد تتشابه في معظم المجتمعات العربية من مصر إلى المغرب ومن تونس إلى الأردن ومن السودان إلى ليبيا ومن اليمن إلى البحرين ومن سوريا إلى الجزائر يظل العنوان الرئيسي هو أن استمرار الأنظمة الاستبدادية مرهون باستمرار عجز قوى المعارضة عن العمل المشترك.
هنا يأتي السؤال الملح لماذا؟

- رغم أن كل قوى المعارضة تعرضت بدرجات مختلفة وعلى امتداد سنوات طويلة للبطش والتهميش نفسه من الأنظمة الشمولية التي سادت حقبة ما بعد الاستقلال ،وهو البطش الذي وصل لحد الذبح والتغييب لسنوات طويلة في السجون والمعتقلات، والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية وطال الجميع من ليبراليين وشيوعيين وقوميين وإسلاميين.
- رغم إعلان كل القوى والتيارات المعارضة قبولها بالخيار الديمقراطي والاحتكام لصندوق الانتخاب ونتائجه في الوصول إلى السلطة وتداولها.
- رغم أن معظم قضايا الحريات والعدل الاجتماعي والتحرر السياسى من فلك التبعية والتي ناضلت من اجلها قبل حصول بلدانها على الاستقلال مازالت مدرجة على جدول الأعمال ولم يتحقق منها شيء، وما تحقق جزئيا في فترة تم التراجع عنه
هناك بالتأكيد العديد من الأسباب لعل أهمها:

1-
القطيعة الواضحة مع الجماهير فطوال سنوات ما بعد الاستقلال وفى ظل سيطرة الأنظمة الشمولية وتأميم الحياة السياسية ومصادرة الحريات السياسية والتنظيم الحزبي والنقابي المستقل أو حتى حق الجماهير في تنظيم مبادراتها المستقلة في إطار منظمات المجتمع المدني من جمعيات أهلية وخلافه ، ولدت أجيال من المواطنين التي تفتقر إلى الاهتمام بالشأن العام ،وأجيال من النشطاء السياسيين المفتقرين إلى خبرة العمل السياسي وكيفية مخاطبة الجماهير وحشدها وتنظيمها والعمل معها ، وهو ما أثمر بعد عقود وفى ظل عودة التعددية المقيدة عن تجمعات سياسية معزولة لا تعتمد على بوصلة الجماهير ورأيها في تحديد خياراتها السياسية والتي قد يكون أولها الدعوة للتحالف السياسي والعمل المشترك.

2- مدى الإيمان الحقيقي لدى القوى السياسية المتنوعة في مجتمعاتنا العربية بثقافة الديمقراطية والقبول بأدوات النظام السياسي الديمقراطي كمنهج في الحياة وفى العلاقة بقضية السلطة، فهناك قوى تعتمد الإعلان بقبول التعددية السياسية و بنتائج الانتخابات كمجرد مخرج برجماتي للوصول للسلطة، وهناك من يؤمن إيمانا حقيقيا بالديمقراطية نظاما وثقافة، وهناك من قد يقبلها كإطار للنظام السياسي فقط ويرفض قبولها كثقافة حاكمة للمجتمع وعلاقات الأفراد بالدولة أو يبعضهم البعض، ولعل ابرز دليل على هذا هو عدم قيام أي تيار سياسي بعمل نقد حقيقي ومراجعة شاملة لأفكاره السياسية فيما يخص قضية الديمقراطية ويقدم إبداعا ورؤية سياسية تؤصل إلى موقفه الجديد، وهى الحالة التي تتفق فيها كل التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فإذا كان لبعض تلك التيارات تواجدا جزئيا في الأنظمة السياسية التي أقيمت حقبة ما بعد الاستقلال وهناك تاريخ وممارسة عملية لها معادية للديمقراطية ،في بلادها أو في بلدان عربية مجاورة نموذج لهذا التجربة الناصرية في مصر، أو البعثية في العراق وسوريا،الاشتراكية الماركسية في اليمن الجنوبي ،الإسلامية في السودان والسعودية، فما الذي يدفع المواطن العربي، أو القوى السياسية الأخرى للثقة في موقفها الآن من قضية الديمقراطية.

3- عجز القوى السياسية العربية منفردة أو مجتمعة عن أن تقدم مشروعا متكاملا للتغيير والإصلاح يمكن البدء بالحوار حوله فمازالت الأسقف والأطر الأيدلوجية هي الحاكمة لكل فريق في ظل غياب حقيقي للإبداع والخيال السياسي القادر على بناء فقه الواقع، هذه الحالة من التراشق الايدلوجى يعمقها نوع من الثأر التاريخي بين العديد من القوى على خلفيات سياسية وطائفية وعرقية ولعل حالة الصدام السياسي في لبنان والاحتراب في العراق والسودان، والأحداث الطائفية في مصر والانفجاريات المسلحة في اليمن.. وهو ما يغذى حالة الفراق السياسي التي تحول دون إقامة أي تحالف سياسي واجتماعي حقيقي.

4- القيود السياسية والتشريعية التي مازالت تقيد الحركة المستقلة لقوى المعارضة وتمنعها من أي اختبار حقيقي للعمل المشترك يستند للجماهير، ولعل تجربة حركة كفاية في مصر والتي مثلت محاولة جريئة لتجاوز هذه الوضعية تعد نموذجا في هذا المجال.

5- أشكال التدخل الخارجي المتنوعة والتي تستهدف إثارة النزاعات أو عمليات الاستقطاب بين القوى السياسية المختلفة على خلفيات دينية وعرقية وسياسية ولعل النموذج العراقي واللبناني من أوضح الأمثلة في هذا المجال والتي وصلت في العراق إلى مستوى الحرب الأهلية.

6- العديد من القوى السياسية العربية مازالت تتمتع بما يمكن أن نطلق عليه حالة من الفصام السياسي، فرغم ما تعلنه من إيمانها بالديمقراطية ونقدها للأنظمة الشمولية في بلدانها نراها تغض الطرف أو أحيانا تؤيد وتدافع عن أنظمة عربية أخرى استبدادية أو حكاما عرب أيديهم ملوثة بدماء شعوبهم بحجة إن لهم مواقف قومية معادية للصهاينة أو الأمريكان، وكأن الاستبداد بالشعوب العربية لا يصب في النهاية في صالح الصهيونية والسياسة الأمريكية، وهو ما يجعل هناك صعوبة حقيقية في تحالف مثل هذه القوى السياسية الاتجاهات الأخرى خاصة الاتجاهات الليبرالية والتي تتهم أحيانا بالولاء للولايات المتحدة لمجرد أنها تدين صدام حسين أو لا تؤيد نظام الأسد، أو حتى لأنها لا تبدأ إعلان أي موقف لها بدون الهجوم على السياسة الأمريكية سواء كان هذا الهجوم مرتبط بالموضوع أم لا.

7- إن القوى السياسية العربية على اختلافها تنتمي جذورها الفكرية إلى ثقافة شمولية لم تتدرب بعد على قبول التنوع والاختلاف في الرؤى السياسية، فالكل يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة ومخالفيهم إما عملاء وخونة أو ملحدون وكفرة أو استبداديون وشموليون، هذه الحدية الطرفية في النظر إلى الخلاف في الرأي تجعل التوصل إلى رؤى مشتركة أو حلول وسط شيئا في غاية الصعوبة.

والخلاصة أن هناك العديد من الأسباب ذات الطابع التاريخي والفكري والسياسي التي مازالت تحول دون تجاوز قوى المعارضة في البلدان العربية على التحالف والتنسيق والتي قد تحتاج إلى التوقف عندها وتجاوزها إلى مدى زمني ليس قصيرا لكن المشكلة أن قدرة الشعوب على التحمل أصبحت على وشك النفاذ.
 
-ورقة عمل الأستاذ جورج أسحاق في ورشة عمل الاصلاحيون العرب وبناء شبكات والتحالفات