A+ A-
صعود وهبوط دبي .... وجهة نظر إسرائيلية
2009-12-09

بقلم: بول ريفلين
مركز ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية
ترجمة: صادق أبو السعود

قام حاكم دبي والد الحاكم الحالي الأمير الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في عام 1954باقتراض مبلغ 400،000 جنيه إسترليني من الكويت بهدف تنظيف خور دبي، وإقامة الميناء والذي أصبح فيما بعد ركنا أساسيا حيويا وملموسا في بناء اقتصاد الإمارة. من الأهمية بمكان أن يذكر بان مرحلة التنمية الأولى في دبي أصبحت ممكنة في حينه من خلال الاقتراض، والتي كانت أولى الخطوات التي اتخذها حاكم الإمارة: ولا شك أن الدعم وخطوات التنمية التي بدأتها الحكومة آنذاك رسمت إلى حد كبير ملامح القصة التي بدأت الإمارة بنسج خيوطها، ففي نهاية السبعينات من القرن الماضي تم بناء ميناء في منطقة جبل علي على بعد 35 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من مدينة دبي: اليوم يعتبر هذا الميناء من أكبر الموانئ التي صنعها الإنسان في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط. وفي عام 1985، تم تأسيس المنطقة الحرة بجبل علي، وهي المنطقة الصناعية المجاورة للميناء. وتم استدراج الشركات العالمية من خلال الإعفاءات الجمركية على واردات الشركات وصادراتها وضريبة الدخل للأفراد، وعدم وجود قيود على حركة الأموال وسهولة العمالة، والذي كان من شأنه أن دفع المئات من الشركات أن تفتح لها فروعا هناك. إن المجموعة المؤلفة من ميناء ضخم والمنطقة الصناعية الحرة لعبت دورا أساسيا في تمكين دبي لتصبح مركزا رئيسيا الاستيداع: حيث وجود منطقة نقل معفية من الضرائب والتي قدمت خدماتها لمنطقة الخليج في وقت كانت فيه شهيتها للواردات تنمو بصورة كبيرة نتيجة لازدياد الثروة النفطية، وكل شيء قامت به دبي كان مرتبطا بالنفط والذي كان عادة يعود لأفراد آخرين.

في وقت لاحق، أنشأت الحكومة الشركات القابضة التي شملت القطاعين العام والخاص: دبي القابضة (التي تأسست في عام 2004) وهي شركة يسيطر عليها بشكل مباشر الشيخ؛ دبي العالمية (2006) ، وشركة دبي للاستثمار (2006)، وهاتان الأخيرتان مملوكتان بالكامل من قبل الحكومة، ويديرهما الشيخ بفعالية، هذه المجموعات الثلاث تسيطر على الشركات شبه الحكومية، والتي تابعت الأنشطة التجارية الرامية إلى تحقيق النمو الاقتصادي وتوليد الأرباح للمستثمرين في القطاع الخاص.

العنصر المكمل لإستراتيجية دبي في تشجيع الشركات الأوروبية من الشرق والغرب لإيجاد فروع لها في دبي كان يتمثل في تبني سياسات أكثر تحررا تجاه اللباس والشراب وغيرها من المسائل المتعلقة بالمعايير الشخصية وقواعدها من باقي الدول الأخرى في منطقة الخليج، بما في ذلك شركائها من الإمارات الأخرى التي تتشكل منها دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا شك أن هذه المنهجية قد أثبتت نجاحا كبيرا، وانتقلت هذه المدينة المزدهرة بالفعل إلى مركز مالي دولي. ولكن في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، أعلنت شركة دبي العالمية أنها ستطلب تمديدا لسداد الديون المستحقة عليها، حيث أنها لا تستطيع دفع ما هو مستحق عليها في الوقت المناسب، وهذا الإعلان أرسل موجات من الصدمة عبر النظام المالي الدولي، وتركزت الأزمة في الهيئات والشركات الفرعية كشركة النخيل التي قد اقترضت مبالغ ضخمة لتمويل النمو السريع، وخاصة في قطاع العقارات.

تشير البيانات أن دولة الإمارات بأعضائها من الإمارات الأخرى تنشر القليل من البيانات الاقتصادية ولكن صندوق النقد الدولي قام مؤخرا بنشر تقرير عن الاقتصاد الإماراتي يكشف فيه عن الخطأ في دبي. إن الطفرة الاقتصادية كانت تمول جزئيا من زيادة في الاقتراض من الخارج. علما أن الشركات التي مقرها دبي كانت المقترضة الرئيسية في الأسواق المالية الدولية، وذلك على الرغم من أن النظام المصرفي في الإمارات كان يملك رؤوس أموال كافية ومربحة جدا حتى منتصف عام 2008، كما أن تسارع نمو الائتمان للقطاع الخاص، من سنة لسنة بمعدل نمو سنوي قدره 40 ٪ في عام 2007 إلى 50 ٪ في عام 2008، قد زاد من نسبة المخاطر الناجمة عن نمو القروض غير العاملة. كان هذا صحيحا بشكل خاص بسبب التعرض المتزايد للنظام المالي على القروض الاستهلاكية والعقارات والتوقعات غير مؤكدة لأسعار الأصول في أعقاب زيادات مضاربة قوية في قيمة العقارات والأسهم. إن النظام المصرفي للقروض مقارنة بنسبة الإيداعات استمر في الارتفاع حتى بعد أن تجاوزت الحدود التنظيمية 100 ٪ بحلول نهاية عام 2007.

ينبع نجاح دبي من دورها كمركز لإعادة الشحن، فهي تستورد بمليارات الدولارات من السلع التي يتم بيعها بعد ذلك بصورة رئيسية في إيران وروسيا. وبالتالي ، فقد استقطبت دبي استثمارات إيرانية وعشرات الآلاف من الإيرانيين المقيمين، بعضهم مقيم بالإمارات والبعض الآخر منهم شبه مقيم. وخلال الفترة الممتدة من 2002-2007 تضاعف حجم الاقتصاد، وذلك بفضل العمالة الوافدة التي زادت من عدد السكان بنحو 50 في المائة، والتدفقات الضخمة لرؤوس الأموال، وتجدر الإشارة أن القليل من هذا النمو كان يعود لإيرادات النفط، فإمارة دبي تنتج كميات ضئيلة من النفط وجهودها الكبيرة في التنمية كانت تعود في الأساس لتعويض هذا النقص في إنتاج النفط، وفي الحقيقة استطاعت تحقيق ذلك، ومع هذا فهي تعتمد على استثمارات الدول النفطية ولا سيما إيران وأبو ظبي.

إن النمو القوي للاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم عادة ما يستلزم تشديد السياسة النقدية، ففي السنوات الممتدة بين 2005-2007، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي بمعدل سنوي متوسط قدره 7.8 في المائة بالقيمة الحقيقية، بينما ازدادت الواردات والصادرات من 206 بليون دولار إلى 481 مليار دولار! وتضاعف معدل التضخم من 6.2 ٪ في عام 2005 إلى 12.3 ٪ في عام 2008. ومع ذلك فالإمارات تحافظ على أسعار الصرف المربوطة بالدولار الأمريكي، وحساب رأس المال المفتوح، ولذلك فقد اضطرت اعتبارا من منتصف عام 2007، إلى إتباع الولايات المتحدة، وتخفيف السياسة النقدية، ونتيجة لذلك، عملت السياسة النقدية لدولة الإمارات على المزيد من التحفيز للاقتصاد مع معدلات سلبية للفائدة الحقيقية والتي أضافت دفعا إضافيا للطفرة الاقتصادية القوية في إطار الائتمان للقطاع الخاص. ومع استمرار ارتفاع أسعار تصدير النفط في عام 2007، وعدم وجود مؤشرات على انفراج أو انخفاض في حدة ارتفاع الطفرة الاقتصادية ونمو المضاربة على رفع قيمة الدرهم الإماراتي، والذي كان من شأنه تحفيز التدفق الضخم لرؤوس الأموال الكبيرة إلى دولة الإمارات، مما أدى إلى تفاقم معدل نمو الائتمان والضغوط الناجمة عن التضخم، وبالتالي فإن حركة الأوراق المالية والأسهم الناجمة من الائتمان للقطاع الخاص، والتي كانت في الأصل من أعلى المعدلات في دول مجلس التعاون الخليجي قد ارتفعت مجددا. وهكذا تهيأت الفرصة لوجود فقاعة المضاربة الواسعة في مجال العقارات والأسهم والسندات، ولكن ومع دخول الاقتصاد العالمي بصورة عامة في أسوأ ركود اقتصادي منذ 1920، انفجرت هذه الفقاعة في نهاية المطاف.

على عكس دبي، فإن إمارة أبو ظبي، ومنافستها الرئيسية في دولة الإمارات، تمتلك احتياطيات نفطية ضخمة، والذي كان واحدا من الدوافع لجهود دبي التنموية للوصول إلى مستويات أبو ظبي معدلات الدخل، وهذا ما حققته فعلا، على الأقل حتى وقت قريب. إن ديناميكية السياسة الداخلية في دولة الإمارات حالها تماما كحال الإمارات المكونة للاتحاد تعتمد السرية كأساس لها، ولا شك فإن هذا الافتقار إلى الشفافية قد تكون له مزايا في المجال السياسي، ولكن في الجانب الاقتصادي فقد ثبت أنه يعود بنتائج كارثية، كما أن علاقة الشركات القابضة التي تم تأسيسها في دبي هي في الأغلب مع حكومة دبي فقط، حيث تجلى ذلك واضحا (أو أكثر وضوحا) في الأشهر الأخيرة في العلاقة بين أبو ظبي ودبي عندما رفضت أبو ظبي انقاذ الشركات القابضة المملوكة لحكومة دبي، وتقدر عائدات أبو ظبي النفطية حاليا بما يزيد على 65 بليون دولار سنويا، وهيئة أبو ظبي للاستثمار، وهي واحدة من أكبر الشركات في العالم تقدر أصولها المالية750 مليار دولار، فإن ديون دبي الخارجية 80 مليار دولار وحصة دبي العالمية من هذا الدين يبلغ 24 مليار دولار، منها 3.5 مليار دولار تم التخلف عن تسديدها والتي من المقرر أن يتم دفعها في ديسمبر 2009، وهي ضئيلة مقارنة مع حجم الشركة. على أية حال لم تعرض أبو ظبي سوى قدر محدود لإمارة دبي، وتم طرح العديد من التفسيرات لبرود أبو ظبي، كان أولها المنافسة التقليدية بين الإمارتين، ورغبة أبو ظبي في إدخال إمارة دبي بيت الطاعة، والتفسير الثاني يأتي في سياق هدف الولايات المتحدة وأبو ظبي في سحب دبي بعيدا عن إيران. فإمارة دبي ليست فقط بمثابة المنزل للعديد من الإيرانيين وأموالهم، بل هو أيضا محطة لتموين واردات البنزين الإيرانية.

الأزمة في دبي لا تهدد فقط المضاربين بخسائر كبيرة، لكنها أيضا تمثل نكسة، إن لم تكن هزيمة ، لفلسفة أمير آل مكتوم التنموية، والتي سعت إلى المضي قدما بإمارة دبي بعيدا عن النزعة الدينية المحافظة وسيطرة الدولة الاحتكارية على الاقتصاد، نحو نموذج اقتصادي أكثر ليبرالية. وما تزال الدولة تلعب دورا هاما ولكن مع تشجيع القطاع الخاص على القيام بقدر ما يستطيع. القطاع تلو الآخر تم فتحه أمام الاستثمار الأجنبي بصورة لم يسبق لها مثيل، ومع ذلك، فالاقتصاد الليبرالي يحتاج الشفافية، وأنه، من بين أمور أخرى، ما زالت دبي تعاني نقصا في هذا السياق.