A+ A-
لبنان على عتبة انتقال جديدة
2006-02-26

ثمة انقسام عامودي يزداد ترسخا في المشهد السياسي اللبناني يمتزج فيه الانقسام الطائفي بالسياسي بين القوى الرئيسية وانصافها الممثلة للكيانات الطائفية الأربعة الرئيسية في البلاد -الشيعية والسنية والمارونية والدرزية-، ولكن هذا الانقسام لا يعني وبالضرورة انتفاء وافول دور العقلاء المحسوبين على طوائف لبنان، فرئيس المجلس النيابي نبيه بري يتبنى دعوة لبدء حوار وطني تحت سقف اتفاق الطائف بين الفريقين الرئيسيين، فريق 14 شباط من جهة وفريق حزب الله من جهة اخرى، على ان يبدأ في 2/3/2006 بمبنى البرلمان، ويستمر من 7 الى 10 أيام كحد أقصى، لوقف أجواء التشنج السياسي التي تجتاح البلاد. وبينما اخذ فريق 14 شباط – الحريري وجعجع وجنبلاط- يحث الخطى لحشد حملة عنوانها اسقاط الرئيس اللبناني العماد اميل لحود قبل 14 ‏آذار المقبل الذي يصادف الذكرى الأولى للتظاهرة الضخمة التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، كما اكد رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» الدكتور سمير، فإن حلفاء سورية والتيار الذي يقوده العماد ميشال عون يرفضون دعوات اسقاط الرئيس بوصفها انقلابية وتخل بالسلم الاهلي.

وفي الاعتقاد أن فريق الاكثرية البرلمانية استطاع ان يلملم صفوفه بعد ان اعتراها الضعف خلال العام الفائت، وهو بصدد استغلال الزخم الذي حققه في تظاهرة 14 شباط/فبراير التي جاءت عقب تطورات هامه تمثلت في تظاهرة الاشرفية التي استهدفت السفارة الدنماركية وتطورت الى اعمال شغب طالت ارزاق المسيحييين اللبنانيين ومقدساتهم في 5/2/2006، وما تلاها في اليوم التالي من تدشين لتحالف بين الشيعة والتيار العوني عبر عنه لقاء امين عام حزب الله بالعماد عون في 6 شباط/ فبراير بكنيسة مار مخايل، وما حدث من استعراض شيعي للقوة في 9/2/2006 في ذكرى عاشوراء، وهو ما استحث فريق 14 آذار لرص صفوفه مجددا ونجح في ذلك.

ولا يستبعد المراقبون ان ينجح فريق 14 شباط في دفع الرئيس للاستقالة، حيث يحظون بموافقة فرنسية امريكية وفاتيكانية واضحة، ويبدو أن القوى خارج 14 شباط ليست متمسكة كثيرا بلحود، ولكنها بالمقابل ليست في وارد تفويت الفرصة والاتيان برئيس على مقاس فريق 14 شباط ، ويميل الفريق الشيعي الى دعم العماد ميشال عون، وهو المرشح القوي خارج 14 آذار الذي احتفظ لنفسه بموقف تمايز به عن فريقي 14 شباط و8 آذار المتصارعين.
وبينما تتجه الانظار الى مبادرة بري، فإن جميع الاحتمالات واردة في ظل توازن القوى في لبنان، وتسود الخشية من أن عملية اغتيال ما قد تطيح بطاولة بري المستديرة التي يزمع دعوة الافرقاء اليها، ولكن ذلك لا يعني امكانية التوافق، حيث اعتاد المراقبون على عدم التعويل على طبيعة خطاب الساسة اللبنانيين الناري بوصفه قرارا نهائيا.

اسباب نجاح فريق 14 شباط في تحقيق توازن القوة يوجد عدد من الاسباب والعوامل التي ساهمت في نجاح القوى المناهضة لسورية وحلفائها في لبنان في اختبار القوة الذي تمثل في القدرة على حشد ما يقارب المليون بعد عام على اغتيال الحريري ، وأبرزها:

1- التعبئة السياسية والاعلامية التي تولاها أساساً زعيم المعارضة من جديد وليد جنبلاط من خلال خطاب متشدد ومتماسك يطرح عناوين جذرية وجذابة للشارع وللجمهور المناهض للنظام السوري، واستطاع بخطابه توسيع الهجوم ليشمل المحور السوري - الايراني وامتداده الداخلي عبر" حزب الله"، وهو ما يؤكد أن قطاعا واسعا من اللبنانيين مستعد للوقوف في مواجهة سورية وحلفائها. كما كان لافتا الدور التعبوي لمحطات "المستقبل" و "المؤسسة اللبنانية للارسال" اللتين أثبتتا ان قوى 14 آذار( مارس) تتمتع بقوة اعلامية ضاربة ومؤثرة في اتجاهات الرأي العام.
2 - شكلت تظاهرة الاشرفية في 5 شباط (فبراير) وما واكبها من اعتداءات على الاملاك المسيحية استفزازا ساهم في كثافة المشاركة في تظاهرة 14 شباط(فبراير). وفي الواقع فإن هذه التظاهرة وما شابهها من اتهامات تثير العديد من التساؤلات عن التقصير الامني اللافت الذي يضاف الى جملة التشكيك في دوافع اللذين قاموا بعمليات التخريب المتعمد، بمعنى ان تحالف 14 آذار ليس بعيدا ايضا عن المسؤولية شانه شأن الطرف الموالي لسورية في قضية التطورات الدراماتيكية التي حصلت في التظاهرة.
3- الرد السياسي" على لقاء عون نصرالله الذي تعاملت معه قوى 14 آذار (مارس) من خلفية انه يتجاوز مجرد "تفاهم" على وثيقة مشتركة إلى التأسيس لحلف ثنائي يبدل في الخريطة السياسية والتوازنات الداخلية، ما شكل حافزا الى تكريس الحلف الثلاثي بين الحريري وجنبلاط وجعجع وتظهيره شعبيا. وإذا كان لقاء عون ونصرالله قد وصف بالانقلاب السياسي فإن لقاء ساحة الشهداء يمكن وصفه بأنه انقلاب على الانقلاب.
4- استفزار الشارع المناوئ لحلف طهران دمشق بضرورة الرد على حزب الله معبرا عنه بحشود "ساحة 9 شباط (فبراير)" أي ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما كان الحال في ساحة 14 آذار(مارس) 2005 التي تشكلت على خلفية الرد على ساحة 8 آذار (مارس).
5- رجوع رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري الى بيروت بعد غياب أشهر، ما انعش معنويات قوى 14 آذار(مارس)، ورفع الحشد السني الى مستويات عالية، إذ تبيّن ان الجمهور السني خصوصا من الشمال ، عكار والضنية المنيه وطرابلس، ومن البقاع ، عرسال ومجدل عنجر والبقاع الغربي، كان الرافد الأساسي للتظاهرة ، وفاق حجم المشاركة السنية في 14 آذار(مارس) 2005.

أما أبرز النتائج السياسية المترتبة على مهرجان 14 شباط/(فبراير) فتتمثل في النقاط التالية:
1- أثبتت قوى 14 آذار(مارس) ان لديها قوة شعبية ثابتة لا يمكن القفز عنها وهي ليست ظرفية، مهما شكك الخصوم. وهو ما يتحتم على فريق 14 آذار (مارس) أن ينتقل من موقف التردد الى الهجوم، والفريق بوضع لا يسمح له بالتلكؤ خوفا من تآكل رصيده مجددا، ولذلك فعليه استثمار التحشدات حوله لتحقيق اهدافه في الاطاحة بلحود والوصول الى الرئاسة من ضمن صفوفه إن امكن، وانهاء وضع حزب الله كقوة مسلحة، وفض الاشتباك مع سورية وترسيم الحدود معها.
2- اعاد 14 شباط وليد جنبلاط الى موقع القيادة والصدارة في التحالف، وهو الموقع الذي كان يشغله قبل الانتخابات النيابية.
3- حجز 14 شباط لسمير جعجع المقعد الأول المسيحي في جبهة 14 آذار (مارس)، نتيجة لانسحاب عون شعبيا. ويعد لقاء جعجع الاول بـ "جمهور 14 آذار" بمثابة اهم استقبال له في لبنان بحيث، لم يعد واحدا من المكوّنات المسيحية ل 14 آذار" وانما بات الاول والمتقدم بينها واكتسب قوة دفع جديدة وغير محسوبة ترفع سقف طموحاته وتعزز وضعه في التنافس على الزعامة المسيحية.
4- ثبت 14 شباط حالة الانقسام والاستقطاب على الساحة اللبنانية بين محورين كبيرين في تكرار للمشهد السياسي عام 2005، والفارق أن الانقسام السياسي بات يحل تدريجيا محل الطائفي، وبعد أن شهد العام الفائت انقساما طائفيا بدى فيه الشيعة في جهة، فإن الانقسام الحالي يشهد خلطا للاوراق بدخول العماد عون على خط التحالف مع الشيعة.
5- انقطاع جسور العلاقة والحوار نهائيا بين حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط الذي يعتبر "حزب الله" انه تجاوز كل الخطوط و "الحرمات" بأن دعا جهارا وخطيا الى تطبيق القرارات الدولية ومن ضمنها القرار1559 وارسال الجيش الى الجنوب ونزع سلاح ميليشيا حزب الله.
6- استمرار خطوط اتصال وتعاون بين الحزب الشيعي والنائب سعد الحريري، رغم معرفة نصرالله بأن الحريري متمسك بحلفه مع جنبلاط وبأن عملية توزيع أدوار ربما تقوم بين الاثنين، ومعرفة الحريري بأنه محكوم بالتوافق مع حزب الله لأسباب "اقليمية عربية" ولحاجات الاستقرار السياسي الداخلي... ولكن مما لا شك فيه ان علاقة الحريري نصرالله طرأ عليها فتور وتراجع في درجة الحرارة والثقة وان نصرالله سيزداد اقتناعا ان العلاقة التي نسجها مع الرئيس الحريري يصعب كثيراً ان تتكرر مع الحريري الابن، وان الظروف الدولية والداخلية تبدلت.
7- استمرار تدهور الوضع الحكومي ارتباطا بالتطورات والانقسامات، والسؤال المطروح: هل يستمر" حزب الله" في الحكومة بعدما أصبح نزع سلاحه هدفا واضحاً بين أهداف الأكثرية فيها او يخرج الى صفوف المعارضة؟! وهل له مصلحة في الاستمرار وممارسة التأثير من الداخل على ان يتذرع بالبيان الوزاري كمرجعية رسمية وأساس لسياسة الحكومة