A+ A-
العلاقات السعودية السورية على صفيح ساخن

2006-09-07

العديد من المتابعين للعلاقات السعودية السورية، لا يستبعدون أن تتصاعد الازمة بين الرياض ودمشق، لتخرج من حلبتها الصامتة الى حلبة التراشق الاعلامي والسياسي المفتوحة، مع عدم استبعاد اتخاذ الجانبين تدابير مضادة، خاصة مع صعوبة ارساء قواعد سياسية مشتركة بين البلدين في المستقبل القريب، وحيث باتت علاقات الدول العربية خارج البيت العربي هي اقوى منه في مع من بداخله. ومع التصعيد الامريكي مع طهران تتباين المواقف، فبينما تواصل دمشق تعزيز علاقتها الاستراتيجية مع طهران، تتخذ السعودية موقفا مناوءا لبرنامجها النووي وهو الاقرب الى واشنطن

وجميع المؤشرات تفيد بأن الازمة بين دمشق والرياض تتجه تصعيديا، والخلافات بين الجانبين ليست عابرة يسهل تجاوزها مع وجود الدور الامريكي النشط في المنطقة، وهما متباينان في سياساتهما حول مجمل القضايا الاقليمية خصوصا بعد تولي الرئيس بشار مقاليد الحكم خلفا لوالده الراحل حافظ الاسد. والمتتبع سرعان ما يكتشف أن الرئيس السوري بشار عمد الى تقليص دور المقربين من السعودية تدريجيا وبصورة غير مباشرة، واطاح بنفوذ رمزين يتمتعان بعلاقة مع الرياض من خلال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وهما نائب الرئيس عبد الحليم خدام، واللواء غازي كنعان.
 
وقد شكل الاغتيال المثير للجدل لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي يعد امتدادا للسياسة السعودية في لبنان، نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات بين العاصمتين، حيث شهدت العلاقات بينهما تصادما غير مباشر، ولم تخف السعودية دعمها لفريق 14 آذار المناوئ للرئيس اللبناني ولسياسات دمشق.
 
وشكلت الحرب الاخيرة في لبنان نقطة فاصلة، حيث كشفت عن عمق الخلافات بين دمشق والرياض خصوصا عندما انتقلت هذه الاخيرة التي توصف بالمتحفظة في خطاباتها، وتجنبها اثارة التصادم مباشرة مع كافة القوى، لتكون اكثر صراحة، فقد وصف مسؤول سعودي ما اقدم عليه حزب الله من اسر لجنديين اسرائيليين بـ "مغامرة غير محسوبة".
 
ودفعت نتيجة الحرب التي صمد فيها حزب الله، الرئيس السوري ليرفع من وتيرة انتقاداته للنظام الرسمي العربي، واعطى خطابه الانطباع بأنه في حديثه عن " انصاف الرجال " و" القادة المفترضين" يقصد في تقريعاته السعودية رغم عدم ذكره ايا من الدول العربية.
 
وكما يبدو فإن السعودية لم تتأخر في ردها على انتقادات الرئيس السوري، حيث عاد وزير خارجيتها، ليغمز من قناة سورية ويقول إن هناك دولا عربية تفضل العلاقات مع دول غير عربية على حساب علاقاتها مع الدول العربية، في اشارة يفهم منها انها موجهة لسورية التي تتمتع بعلاقة استراتيجية مع ايران.
 
وكانت دمشق عقب خطاب الاسد نفت ان يكون الرئيس السوري قصد في خطابه الزعماء العرب بحديثه عن انصاف الرجال، ويبدو أنها تحركت لتلطيف الاجواء لدى العاصمتين المصرية والسعودية في فترة شهدت تراجعا في الحملة الاعلامية، وخصوصا في اعقاب زيارة امير قطر لدمشق، بل حتى أن هذا الاخير قال انه نقل دعوة لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لزيارة دمشق، كما نفت دمشق ان تكون قصدت كل فريق 14 آذار في اتهاماتها بأنها بضاعة اسرائيلية.
 
وفي حين قالت مصادر إعلامية خليجية إن الأسد اقترح ان يقوم بزيارة إلى السعودية لحل نقاط الخلاف، قالت مصادر عربية في لندن إن الملك عبد الله بن عبد العزيز رفض استقبال أحد موفدي الأسد الذين جاؤوا إلى جدة، مؤخرا بغية تلطيف الاجواء، وتضيف المصادر أن المسؤول السوري سمع من الجانب السعودي احاديث عن عدم وفاء الاسد بتعهداته التي قطعها امام العاهل السعودي في السابق، وتستبعد ان يكون وزير الخارجية السوري هو المبعوث السوري استنادا الى ما تعزوه المصادر بالخلاف المتبادل بينه وبين نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، والذي ظهر جلياً في اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة قبل أسابيع حين حدث اشتباك كلامي بينهما اضطر بعده المسؤول السوري لمغادرة الاجتماع. وتقول مصادر اعلامية كويتية مناوئة لسورية ان الموفد هو آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية.
 
وبينما من المستبعد أن تتصاعد وتيرة الخلافات بين دمشق من جهة والقاهرة وعمان من جهة اخرى على خلفية خطاب الاسد، حيث قال الرئيس المصري إن العلاقات المصرية السورية لا يمكن ان تتأثر بأية "تصريحات"، فإن لذلك اسبابه ومنها عدم وجود اجندة مصرية في لبنان، كما أن الرئيس المصري في وارد تأهيل ابنه لخلافته على غرار ما جرى في سورية. كما أن دمشق وعمان فرغا من ترسيم حدودهما فيما تقلصت من الملفات المفتوحة بينهما كثيرا.
وكما يبدو فإنه وفي ظل عدم وجود وساطة لاحتواء التسخين بين دمشق والرياض، كما اعتاد عليه المشهد السياسي العربي وخاصة من قبل مصر، وبينما يستبعد أن تقوم عمان او الدوحة بدور الوساطة لتحفظ هذا الفريق أو ذاك على الوسيط، فإن من المرجح استمرار التصعيد، وهذا ما بدا جليا في أداء وسائل إعلام البلدين أو المدعومة أو الدائرة في فلكهما.
 
وبينما يجري الحديث عن رفع الدول العربية الكبرى (مصر والسعودية والاردن) لما يوصف بالغطاء عن النظام السوري، فقد أخذت بعض الصحف السعودية تنبش ما تصفه بمعاناة السياح السعوديين مع رجال الامن السوري، كما ذكر سائقو شاحنات مبردة ان السلطات السعودية منعت مائة وعشرين شاحنة مبردة سورية تحمل البندورة من دخول اراضي المملكة لاسباب مجهولة، مما تسبب بخسائر كبيرة وادعوا انهم قوبلوا بمعاملة غير لائقة من الشرطة السعودية.
 
وفي اشارة للسخط السوري تقارن بعض المواقع بين مواقف الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز "الداعم لسورية اقتصاديا ومواقف بعض الأشقاء العرب "الذين يحرضون ضد سوريا ويدفعون الاموال لتلفيق الأكاذيب والافتراءات
وبصورة متزامنة اخذت بعض المواقع الاعلامية السورية تطلق التحليلات والتشريحات للنظام السعودي وسياساته، بوصفه ضعيف رغم ثرائه مما يرميه في احضان الحماية الامريكية، وبالتالي يجعله ايضا يوظف نفسه في خدمة المخطط الامريكي ضد سورية والمقاومة، كما هو الحال قبلها مع العراق.
وتثير بعض هذه المواقع تساؤلات حول سر انتقاد السعودية الدور الإيراني والسوري في العراق، بينما تتهمها بتسخير كل مقدراتها لدعم الوجود الأمريكي في العراق، وتأمين الغطاء العربي له، مطالبة السعودية بالاجابة عن صحة تمويلها لتنظيم القاعدة بهدف قتل الشيعة، متهمة السعودية بالتلاقي في مصالحها مع اسرائيل من الملف النووي الايراني.
 
ولا تغيب التحليلات عن التطرق لدور السعودية خلال الحرب الاخيرة في لبنان بوصفها منعت طائرات محملة بالاسلحة الى سورية من المرور عبر اراضيها، وكما يؤكد مصدر سوري مطلع فان الرياض سعت لـ "تأمين غطاء عربي للاعتداءات الاسرائيلية على لبنان"، مدعيا انها استمرت طيلة ايام الحرب بقطع الامدادات عن لبنان من خلال منع الطائرات الايرانية المحملة بالمساعدات الانسانية من الدخول في اجوائها الامر الذي اضطر هذا الطائرات الى استخدام المجال الجوي لبلدان غير عربية لايصال المساعدات الى الشعب اللبناني.
 
وتخلص اغلب التحليلات السورية إلى التحذير من أن انسياق السعودية خلف المشروع الامريكي سيجعلها تسقط كاولى ضحايا المخطط الامريكي الذي تسير في ركبه، وستكون اول من سيخضع للتقسيم.
 
اتهامات بالتآمر على نظام الحكم في دمشق
تتهم بعض المصادر السورية الرياض بنسج مؤامرة لقلب الحكم في دمشق، وأنها تعمل ضد المصالح السورية وتحاول تضييق الخناق عليها وضرب الاستقرار الداخلي فيها، وهو دور تقول عنه مصادر سورية مطلعة، بأنه ليس بالجديد وهو ممتد الى سنوات عدة ماضية، مدعية أن الامير بندر بن سلطان يقف خلفها ويتصل شخصيا بمعارضة الخارج، وخاصة نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام ورفعت الاسد، اللذين اجتمع معهما مؤخرا. كما تلفت النظر الى ظهور خدام ومراقب عام الاخوان المسلمين في سورية صدر الدين البيانوني على قناة المستقبل التي تملكها اسرة الحريري وبوصفها مقربة من السياسة السعودية. فيما يطالبها البعض باثبات حسن نيتها والاجابة عن الشكوك بدعمها للاخوان ودعوتهم لمتابعة انشطتهم المسلحة ضد النظام.
 
وفي نفس سياق الحديث عن التآمر، تتهم مصادر سورية مطلعة المحلق العسكري السعودي احمد القحطاني باجراء تحركات " مشبوهة" تهدف الى زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، وتقول إنه قام بالاتصال بافراد بعض العشائر السورية، بهدف تحريضها وتأليبها على الوضع القائم.
وفيما تتحدث مصادر مطلعة في دمشق عن استعداد السلطات السورية لإبعاد ديبلوماسي سعودي يشغل منصباً مهماً في سورية، لا تزال السلطات السورية ممسكة بزمام خط الرجعة وتبريد الاجواء ، حيث قالت مصادر سورية إن " بعض المواقع اورد اسم الملحق العسكري السعودي خطأ".
 
أحاديث عن خلافات في الاسرة الحاكمة
ومن الملفت ايضا أن بعض المحللين والمصادر السورية تسعى للتأكيد على أن لا موقفا موحد سعوديا، مدعية أن التوجهات السعودية الجديدة يقودها سعود الفيصل خدمة للمخطط الامريكي، وأن الأخير يشكل رأس هذه المجموعة التي تعمل بمعزل عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، محذرة من عواقب تجاوز هذا الاخير وتوجهاته القومية، بما قد يدمر مستقبل المملكة كبلد عربي مسلم.
 
ويتحدث احد المواقع الالكترونية السورية عن نزاعات داخلية في الاسرة المالكة حول قضايا الارث، موجودة لدى القضاء منذ سنوات، ولم يجرؤ ابناء الملك الراحل سعود بن عبد العزيز على رفعها للقضاء الا في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومفادها أنهم يتهمون بعض أعمامهم ذوي النفوذ بتبديد ممتلكات والدهم واستغلالها، وتجميد المتبقي منها وعدم الأمر بصرفها على الورثة، لأسباب تاريخية تعود الى الخلاف بين الملك سعود والملك فيصل وتضامنهم مع الجناح الفيصلي، ومن أهمهم الملك الراحل فهد وأشقاءه. وتشمل التهم الأمير طلال بن عبدالعزيز وزير المالية في عصر الملك سعود، واتهامه بأن ثراءه هو نتيجة استيلائه على جزء كبير من ثروة الملك سعود، والأمير عبد الله الفيصل الذي استولى على عقارات ضخمة للملك سعود بعد عزله، وتطول القضية أيضا زوجة الملك فيصل الملكة عفت التي أهداها الملك فيصل من ارث أخيه الملك سعود أراضي لا تقل قيمتها عن بليوني دولار آنذاك في مدينة الطائف.
 
ويمضي الموقع الى أن الخلافات تشمل ايضا بعض المسؤولين السعوديين السابقين كأحمد زكي يماني والشيخ عثمان الصالح. وتزيد القضية بتعقيداتها بسبب مطالبة أحفاد الملك سعود الذين توفي آباؤهم بعد وفاة الملك سعود، وفي الوقت ذاته يرى بعض الأبناء أن المستحقين فقط هم من هم على قيد الحياة عند توزيع الإرث.
 
ويلفت الموقع الى أن بعض أبناء الملك سعود وأحفاده يسعون حاليا الى تفجير القضية إعلاميا في قناة الجزيرة، حيث أعدوا وثائق خطيرة من المعتقد وبحسب الموقع أنها ستحرج العائلة السعودية كما تحرج العديد من الشخصيات الاخرى خارج العائلة.
 
الترويج عن الهدر الخيالي في النفقات العسكرية السعودية يسلط بعض المحللين على بعض المواقع السورية الانظار على السعودية بوصفها اكبر الدول انفاقا على التسلح في العالم في حين ان سلاحها لم يستخدم في الحروب، ويقدرون نفقاتها العسكرية بالنسبة الى الناتج القومي بأربعة أضعاف النفقات الأمريكية إذ تصل الى 20 % من الناتج الوطني الاجمالي، مقابل أقل من 5% بالنسبة الى الولايات المتحدة التي تملك أعلى ميزانية دفاعية في العالم.
 
وفي انتقادهم للتسلح السعودي ينوهون الى قضايا الرشاوى والعملات، ويعرجون على أن هذا السلاح ليس بمستوى الاسلحة الامريكية المقدمة لاسرائيل، بما يعني عقم هذه الصفقات، اذا كان الهدف منها الدفاع عن المملكة امام المخاطر الاسرائيلية، كما يظهرون أن هذه الصفقات انما لتعزيز الامن الداخلي.
 
وينبهون الى أن تبرير وزارة الدفاع الامريكية موافقتها على صفقة العام الماضي بمبلغ 2.1 مليار دولار لانها " تساعد على مكافحة الارهاب"، وأما الموافقة في العام الجاري على لائحة الأسلحة المقدمة للحرس الوطني السعودي بقيمة 5.8 مليار دولار، فهو أن هذه الأسلحة " تسهم في تعزيز أمن الولايات المتحدة لأنها تساعد دولة صديقة وحليفة على تعزيز أمنها"، وبالتالي يثيرون التساؤل عن سبب فرض تعزيز الامن الامريكي من المال السعودي على عكس الحال مع إسرائيل.
 
دمشق توافق على ( الورقة الامريكية السعودية ) التي حملها عنان
فيما يخص زيارة امين عام الامم المتحدة كوفي عنان الى دمشق مؤخرا تقول مصادر سورية إن الرئيس الاسد قال وبصراحة ان ما طرحه عنان عندما قدم دمشق هو ورقة " امريكية –سعودية"، وتضيف ان عنان ابدى تفهما لموقف دمشق، وتدعي المصادر ذاتها انه تعرض لضغوط كي لا يأتي دمشق، وأن الورقة التي حملها كانت لاحراجه على أساس أن سوريا سترفض كل ما يعرض عليها.
 
وعلى اية حال فإن دمشق تشعر انها في موقف اقوى مما كانت عليه قبل الحرب وحتى بموافقتها المشروطة أو المتحفظة على القرار 1701، تشعر دمشق أنها قادرة على مشاغلة السعودية إعلاميا بالتركيز على محور بندر بن سلطان وسعود الفيصل بوصفها عرابين للسياسة الأمريكية داخل الأسرة الحاكمة. وتبقى التساؤلات قائمة عما اذا كانت الرياض قد رفعت الغطاء فعلا عن النظام السوري، أو حول طبيعة الخطوة السعودية التالية.