A+ A-
تغييرات في تصور التهديد التركي: الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل

2010-11-08

تضع وثيقة مجلس الأمن القومي التركي لعام 2010 المعروفة بإسم "الكتاب الأحمر" تصنيفا للتهديدات المتوقعة لتركيا في السنوات المقبلة، وقد تضمنت الوثيقة عددا من المقاطع وتعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة لاسرائيل. الوثيقة تعتبر الوثيقة بحد ذاتها سرية ومع ذلك هناك إصدارات مختلفة بشأن مضمونها. ووفقا للمعلومات المنشورة، فإن إدراج إسرائيل في الكتاب الأحمر يشكل سابقة لم تحدث من قبل، وخصوصا الإدعاء بأن السياسة الإسرائيلية تعمل على تقويض الاستقرار في المنطقة، ولا شك ان هذا دليل إضافي على الوضع الصعب الذي تمر به العلاقات الإسرائيلية التركية. وعلى الرغم أن الوثيقة لا تزعم بأنه سيكون هناك صدام مباشر بين البلدين، ولكن حقيقة أن إسرائيل هي المذكورة في الوثيقة من شأنه تعزيز مشاعر الريبة المتبادلة بين اسرائيل وتركيا.

بالمقارنة مع الوثائق السابقة من هذا النوع، فإن وثيقة 2010 مختلفة بصورة جذرية. حيث أغفل الكتاب الأحمر عن ذكر سوريا وأشار بصورة غير مباشرة للبرنامج النووي الإيراني، بدلا من الإشارة إلى إيران باعتبارها تهديدا صريحا، والذي من شأنه ان يعكس أن مشاكل تركيا مع جيرانها تساوي صفر. وفقا لهذه السياسة، التي يروج لها وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو، بأنه يتوجب على تركيا وتستطيع أن تحل صراعاتها مع جيرانها. يعتبر هذا على النقيض من النهج التقليدي لتركيا القائم على أن حدود البلاد تحت التهديد المستمر. إن الكتاب الأحمر الذي يعكس سياسة "المشكلة صفر" ينبع أيضا من التغيرات التي طرأت على تركيبة مجلس الأمن القومي منذ عام 2003. كجزء من الإصلاحات المرتبطة في محاولة تركيا الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، فإن غالبية أعضاء المجلس هم من المدنيين، على عكس الوضع السابق، عندما كان يسيطر على المجلس الشخصيات العسكرية والذي كان بصورة رئيسية يشكل انعكاسا للقوات المسلحة التركية، ولذلك فليس من المستغرب نجاح داود أوغلو في جعل أفكاره المبتكرة الدليل للسياسة الخارجية التركية والدفاعية.

على الرغم أن الكتاب الأحمر يعكس إلى حد كبير التغييرات التي حدثت بالفعل في العلاقات بين تركيا وجيرانها، وهو تطور يمكن أن يؤثر في المستقبل على إرتباط إسرائيل بالجيش التركي، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين حجم الجيش التركي، الذي يعتبر ثاني اكبر جيش في منظمة حلف شمال الأطلسي، والنظرة التركية للخطر. ووفقا لهذا لتصور هذا التهديد، على النحو الوارد في الكتاب الأحمر، يوجد هناك تهديدات مباشرة قليلة لتركيا. وويوجد البعض الآن بالفعل في تركيا من يعرب عن معارضته للمشروع العسكري للبلاد ، وهناك دعوات لتحويل الجيش التركي الى جيش محترف على نطاق ضيق. إن مثل هذا التغيير وفي حال حدوثه فمن المتوقع ان يتم ذلك بصورة تدريجية، ومع ذلك، فإن هذه العملية سوف تسرع من عملية إضعاف الجيش التركي كلاعب في السياسة التركية. إن إضعاف الجيش، مرتبط بالصراع منذ بعض الوقت بين النخبة العلمانية القديمة وبروز النخبة الدينية. جارية وقد تسارع هذا الاتجاه في العامين الماضيين، والذي تم الإعراب عنه من بين جملة امور من خلال اتهام كبار المسؤولين العسكريين المتقاعدين في محاولة لإسقاط سقوط الحكومة التي يرأسها حزب العدالة والتنمية.

إن عملية إضعاف الجيش التركي تبعث على القلق بالنسبة لاسرائيل وذلك لسببين، أولهما، أن الجيش التركي والمؤسسة الأمنية كان لهما دورا محوريا في تعزيز العلاقات بين اسرائيل وتركيا في الماضي. ثانيهما، عدم وجود تهديدات مباشرة لتركيا ولو ظاهريا يقلل من الحاجة التركية إلى شراء منظومات الأسلحة المتطورة واعتماد تركيا على شراء مثل هذه النظم من الغرب.

هناك مصدر آخر للقلق بالنسبة لاسرائيل والذي يتمثل باحتمال تأثير التغيرات في حجم الجيش التركي على مكانة تركيا في حلف شمال الاطلسي، حيث كانت قوة الجيش التركي عاملا حاسما في أهمية حلف شمال الاطلسي التي تعزى إلى تركيا خلال وبعد الحرب الباردة. لعبت عضوية تركيا في حلف شمال الاطلسي كلاعب رئيسي دورا كبيرا في مصلحة إسرائيل لأنها قللت من المخاوف من إمكانية الدفاع عن المحور السوري التركي الإيراني. ومن الممكن أن نرى بالفعل حدة التوتر بين تغير تصور تركيا بالنسبة للتهديد وتصور معظم أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي. على سبيل المثال، تعارض تركيا تحديد نظام الدفاع المضاد للصواريخ والذي من الواضح أن الناتو يسعى لأن تكون تركيا محطة لنظام الدفاع الصاروخي يهدف لحمايتها من الهجوم السوري والإيراني، أو الروسي المحتمل. والسبب في ذلك، حسب الادعاء التركي أن ليس جيرانها فقط من يشكلون تهديدا على تركيا، كما انهم لا يشكلون خطرا على غيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإن حقيقة أن تركيا تبذل جهودا للتوصل إلى صيغة حل وسط بشأن تمركز نظام الدفاع الصاروخي على أراضيها يجعل من الواضح أن تركيا لا تزال ترى أيضا عضويتها في حلف شمال الاطلسي كمحور رئيسي في إستراتيجيتها الدفاعية.

يرتبط التغير الكبير في تصور تركيا للتهديدات التي تواجهها، وعلى النحو المستمد من السياسة "المشكلة صفر" والكتاب الأحمر، إلى علاقات تركيا مع جيرانها. ومع ذلك، لا يمكن أن تتم هذه العلاقات في معزل عن التطورات الحاصلة في النظام الإقليمي والدولي. يبدو إذن، أن هناك تناقضا بين رغبة تركيا لتحقيق الاستقرار في النظام الإقليمي من جهة، ودعمها للأطراف الرجعية مثل إيران من جهة أخرى. صحيح أن الأتراك يدعون بأن سياسة الحوار فقط هي التي ستؤدي الى حل النزاع مع ايران بشأن مسألة بناء قدراتها النووية، ولكن في الممارسة العملية، فإن إيران مستمرة في تعزيز برنامجها النووي. وفي ضوء هذا، فإن نظرة شاملة وحاسمة للكتاب الأحمر يثير مسألة ما إذا كانت بعض تصرفات تركيا -- حتى لو كانت بشكل غير مباشر -- تقوض الاستقرار في النظام الإقليمي.