A+ A-
السودان وسيناريوهات الوحدة والإنفصال

2010-08-08

إنفصال جنوب السودان سيؤدي لنتائج كارثية داخلياً وإقليمياً ولن نعترف بالنتائج اذا مورست ضغوط أوتزوير

قال الوزير في رئاسة الجمهورية السودانية أمين حسن عمر أن حكومة بلاده واثقة ان نتائج الإستفتاء على مصير جنوب السودان الذي سيجري في كانون ثاني/ يناير المقبل لن تؤدي الى إنفصال الجنوب عن شماله مشيرا ألى رفض المجتمع الدولي لفكرة الإنفصال، متهماً إسرائيل ودول معادية لوحدة السودان بتغذية مشروع الإنفصال.
 
الوزير السوداني الذي كان يتحدث في جلسة حوارية نظمها مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان (السودان وسيناريوهات الوحدة والإنفصال) قال أن الحكومة السودانية مطمئنة لنتائج استفتاء تقرير مصير جنوب السودان الذي سيجري في بداية العام المقبل. حيث تم التوافق بين أهل السودان علي منح الجنوبيين الحق في تقرير مصيرهم بالتصويت أما لبقاء جنوب السودان ضمن السودان الموحد، أو لإنفصاله عن السودان وإقامة دولة مستقلة خاصة بهم.
وقد توافق الطرفان الشريكان في إتفاقية السلام الشامل علي العمل من أجل إقناع المواطن الجنوبي بالتصويت الطوعي لصالح خيار الوحدة. مشيرا الى أن هذا ما يعمل من أجله معظم الساسة وأصحاب الفكر والرأي وقادة المجتمع المدني وعامة المواطنين في السودان.
وقال المسؤول السوداني أجرينا في وقت سابق إستطلاعات للراي العام في أوساط الجنوبيين لمعرفة موقفهم من الإنفصال وأشرفت على إعداد هذه الإستطلاعات عدة جهات محايدة فظهرأن 70% ممن يحق لهم الإقتراع قد حسموا قرارهم بالفعل ويتوقع أن يصوت ما نسبته 40% منهم لصالح الوحدة و30% سيصوتون لصالح الإنفصال.
وأوضح أن من يؤيد الإنفصال في الجنوب هم النخب وخاصة السياسية منها، ويجري السودان في التاسع من يناير/ كانون ثاني من عام 2011 استفتاء تقرير مصير جنوب السودان وفيما اذا كان الجنوبيون يرغبون في الإنفصال عن الدولة الأم أم يؤيدون الوحدة، وهذا الاستفتاء احد البنود الرئيسية في إتفاقية نيفاشا للسلام التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان عام 2005
 
المسؤول السوداني الذي تراس وفد حكومته لمفاوضات سلام دارفور في الدوحة في شباط /فبراير الماضي، حذر من ان السودان لن يقبل اي تزوير بنتائج الإستفتاء كما انه سيرفض نتائج الإستفتاء في حال مورست ضغوط على الجنوبيين . وقال في تقديرنا لوكنا نعرف أن نتيجة الإستفتاء ستؤدي للإنفصال لما وافقنا عليه ولكننا مطمئنون الى النتيجة ونحن جاهزون للتعامل مع كافة الإحتمالات.

وتحدث عمر عن حوافز ومبررات دعاة الإنفصال فقال أن مشروع فصل جنوب السودان هدف تبنته ودعمته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس الكيان الغاصب في فلسطين. وكانت إسرائيل علي الدوام، هي الداعم الرئيسي لحركات التمرد في جنوب السودان.

وأضاف أنه وبسبب إشتعال نار التمرد المسلح، وتطاول أمد الحرب لأكثر من ثلاثة عقود، فقد تولدت مرارات ومظالم تدعم أطروحات النخب التي تدعو للإنفصال. قد أضرت فترات الإقتتال هذه بنسيج الوحدة الوطنية بين شمال وجنوب السودان، وتم إستثمار ذلك بدهاء كبير من جانب الداعين لفصل جنوب السودان.

وأكد عمر أن قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان الزعيم الراحل جون قرنق كان وحدوياً في توجهه. وظلت كل الأدبيات المنشورة للحركة تدعو لخيار الوحدة، وتأسيس ما يسمي بالسودان الجديد الذي يمثل بإختصار شديد: التوجه العلماني المنتمي لإفريقيا والذي لا يعطي أي أفضلية للتفاعل مع المحيط العربي الإسلامي. الا انه وخلال الإنتخابات الأخيرة فاجأت الحركة الشعبية المراقبين بقرار سحب مرشحها للرئاسة، ومعظم مرشحيها في مختلف المستويات الإنتخابية في شمال السودان.

وقد مثل هذا الموقف من الحركة الشعبية، وبحسب رأي كثير من المراقبين،اعترافاً بفشل مشروع السودان الجديد، وإنتكاسة لخطها ومواقفها الوحدوية المعلنة، وتقدماً لصالح بعض العناصر غير الوحدوية داخل الحركة على حساب التيار العام الذي يفترض أن يكون داعماً للوحدة.

وقال عمر أن من محفزات الإنفصال ايضاً ما تحقق لإقليم جنوب السودان خلال الفترة الإنتقالية من مكتسبات سياسية دستورية تتمثل في تمكين الجنوبيين، ممثلين في الحركة الشعبية، من حكم الجنوب كله والمشاركة في حكم الشمال بنسبة 30%. وقد أغتر التيار غير الوحدوي داخل الحركة الحركة الشعبية بذلك وصار يراهن على إمكانية الذهاب إلي نهاية الشوط وفصل الجنوب عن الشمال، إضافة الى المكاسب والإمتيازات السياسية والإقتصادية التي تحققت للمتنفذين في الجنوب من الساسة والعسكريين وموظفي الخدمة العامة لا تتوفر لأخرين في أنحاء أخري من السودان الموحد.

ويكفي أن نشير هنا إلي أن المرتبات في الجنوب تزيد عن المرتبات المناظره لها في الشمال بثلاثة أضعاف. كما أن الفساد قد إستشرى وتسربت مئات الملايين من الدولارات خلال الفترة الإنتقالية إلي أيديهم وحساباتهم الخارجية. ولأن الفطام صعب لمثل هؤلاء فقد إنخرطوا في سلك العاملين لفصل الجنوب.

واتهم عمر الدول المعادية للسودان بالعمل علانية لفصل جنوب السودان ومنها إسرائيل وإحدى دول جوار جنوب السودان وهي أوغندا، وقال أن هذه الجهات تقدم الدعم الرئيسي لمشروع الإنفصال، ويشمل هذا الدعم المجالات العسكرية والسياسية والإقتصادية. مشيراً أن دوافع هذه الجهات هو الطمع في ثروات الجنوب، وشغل السودان عن مشروعات نهضته الوطنية وإستغلال موارده، وصرفه عن قضايا محيطه العربي والإسلامي.

كما اتهم الوزير السوداني دعاة الإنفصال بإذكاء مشاعر الجهوية لدي الجنوبيين بدعاوي مختلفة، من بينها الإدعاء بأن الشمال حريص علي الوحدة بسبب الطمع في بترول وثروات الجنوب، وأن نصف عائدات بترول الجنوب التي تذهب إلي الحكومة الإتحادية في الشمال حالياً، وأن هذه النسبة كفيلة بحل مشكلة الموارد المالية لدولة الجنوب الوليدة. كما يدعي المؤيدون لفصل الجنوب أن لدى المواطنين الشماليين أيضا نزعة إنفصالية بحجة بروز حزب منبر السلام العادل في شمال السودان، ومناداته بتبني خيار فصل الجنوب، وإنتقاداته المريرة للحركة الشعبية وللقيادات الجنوبية عامة، بينما الواقع يؤكد أن هذا الحزب معزول حيث لم يترشح أو يفز أي مرشح بإسمه في الانتخابات الاخيرة .

وقال أن حجج ودواعي مؤيدي الإنفصال هي حجج واهية مشيراً الى تفشي الفساد والمحسوبية بين العناصر المتصدرة لهذا المشروع، مما خيب رجاء المواطنين في القيادات التي تولت إدارة الجنوب خلال الفترة الإنتقالية وفي بعض قيادات الحركة الشعبية البارزة. إذ لم يشعر المواطن في جنوب السودان بأي أثر إيجابي للموارد الكبيرة التي وصلت لحكومة الجنوب خلال الفترة الإنتقالية والتي بلغت أحد عشر ملياراً من الدولارات. إضافة لذلك عدم الجدية في تأسيس المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية خلال الفترة الإنتقالية، جعل الكثيرين يعبرون عن عدم تفاؤلهم بإمكانية إنصلاح الأحوال في حال إقرار الإنفصال تحت قيادة نفس هذه القيادات.

وأضاف ان مما يضعف دعاوي مؤيدي الإنفصال دخول الجيش الشعبي طرفاً في كثير من النزاعات وأوقع الكثير من المظالم على مجموعات عرقية وقبلية مختلفة وذلك بسبب عدم التقيد بدوره المهني كجيش محترف وإبقائه في الثكنات خلال الفترة الإنتقالية، ولهذا فقد خرجت هذه المجموعات من دائرة الولاء إلي دائرة العداء للحركة الشعبية، ومن الراجح ألا تقف مع خيار الإنفصال إذا ما تبنته الحركة الشعبية.

وقال عمر رغم الإستعدادات التي تجري لإجراء الإستفتاء واخذنا بعين الإعتبار لكافة الإحتمالات سواء الإنفصال أو الوحدة الا أن هناك خيار ثالث ونحن في طور الحديث عنه .. موضحاً ان هناك توفق بين الشمال والجنوب أنه وفي حال كان الخيار هو الإنفصال فإن وثائق قوية ستبقى تربط الطرفين لأسباب عديدة اهما ان 95% من ميزانية الجنوب تأتي من الشمال كما ان صناعة النفط تتركز في الشمال رغم ان الجنوب هو مقر ثروات السودان النفطية حيث يجري تقاسم العائدات النفطية بين الطرفين.

وقال عمر أنه وفي حال الإنفصال سينخفض نصيب الشمال من عائدات النفط الى الثلث مما سيؤدي الى خلق صعوبات إقتصادية ، كذلك الامر بالنسبة للجنوب الذي يعتمد بنسبة كبيرة في ميزانيته على الحكومة المركزية في الشمالوحذر عمر من ان الإنفصال وفي حال حدوثه ستكون له عواقب وخيمة على شمال وجنوب السودان وكذلك على الوضع الإقليمي في المنطقة ، وقال أن كافة الدول الإفريقية تعارض الإنفصال بإستثناء اوغندا واصفاً موقفها بهذا الصدد بالإنتهازي.

وأشار الى المواقف الدولية التي نؤكد رفض إنفصال الجنوب عن الشمال موضحاَ أن الإتحاد الأوروبي لا يرحب بالإنفصال وكذلك كندا. وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي من هذه القضية كما اشار الوزير السوداني لتصريحات ادلى بها مؤخرا نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن التي قال فيها ان امريكا لن تقبل بوجود دولة فاشلة في جنوب قارة افريقيا، وكان مدير مركزالقدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أعرب عن أمله في ان تكرس نتائج الإستفتاء وحدة السودان ونبذ الانفصال. وحذر في كلمه القاها في بداية أعمال الجلسة من أنه إن تقرر الانفصال، وإن تم الأمر بصورة سلسلة وسلمية وتوافقية، فإن السودان سيفقط ربع مساحته الإجمالية البالغة مليونين ونصف المليون كيلومترا مربعا، كما سيفقد خمس عدد سكانه البالغين 40 مليون نسمة، وثلاثة أرباع مصادره النفطية، وسيفقد حدوده مع دول ككينيا وأوغندا وأفريقيا الوسطى، ولن يعود ممكنا بعد ذلك الحديث عن "وحدة الصحراء والغابة"، وامتداد العروبة في أفريقيا، ستكون الصورة مختلفة، وسنحتاج إلى وقت طويل قبل أن نعتاد عليها.

وتساءل الرنتاوي هل ستندلع الحرب الأهلية مجددا، وهل ستبقى حربا أهلية، أم تصبح حربا دولية أو حربا بين دولتين، ...أم ستجر إلى مستنقعها دول جوار وأطراف إقليمية ودولية طامعة؟...هل يعيد السودان تجربة إريتريا وأثيوبيا المحتربتين على الدوام، أم أنه سيعيد تجرب القبائل السودانية المحتربة إلى ما شاء الله، أم أن الأفق الأفريقي سيشهد هذه المرة تجربة انفصال أكثر سلاسة وهدوءا.

كذلك طرح الرنتاوي تساؤلاً حول ما إذا كان انفصال الجنوب سيغذي نزعة انفصالية تكاد تطل برأسها من بين "خيم اللاجئين" في إقليم دارفور، الذي تناهز مساحته وحده، مساحة فرنسا بأكملها و تساءل عن موقف المجتمع الدولي من فكرة الإنفصال وعن موقف جامعة الدول العربية .