A+ A-
الإصلاح الديمقراطي في فلسطين

2007-03-25

إن أبرز ما يحوز على اهتمام نشطاء حقوق الإنسان والسياسيين على حد سواء هو الجدل القائم حول قضايا الإصلاح في العالم العربي واليات إستنهاضة وهو جدل يبين مدى رغبة المواطن العربي في خوض غمار الإصلاح وفق تجربة ديمقراطية تجسد مبدأ سيادة القانون وتعزز حقوق الإنسان وتعمل على تمكين المرأة وقيامها بدورها الهام في المجتمع وتفتح الطريق واسعا أمام مشاركة منظمات المجتمع المدني في الدولة.

ويثور التساؤل حول رغبة الشعوب العربية بالديمقراطية والحرية أم ميلها الى الإستبداد والقهر.
ويثور التساؤل أيضا حول مكنون الأزمة فهل الشعوب العربية تعيش في أزمة أم أن المفكرين هم الذين يعيشون تلك الأزمة؟
هل المطبلين والراقصين على كل مسارح حقوق الإنسان المتحدثين بالألسن المختلفة عن الديموقراطية والحرية هم على حق أم أن المستخدمين لكل وجوه الزيف فرسان الكلام أصحاب الأماني ومن يعدوننا بقوس قزح هم على حق؟
وهل الديمقراطية والحرية ومبادىء حقوق الإنسان وسيادة القانون هي العدوة لنا أم الفقر والجوع والتخلف والتسلط والإستبداد؟
هل العاملون في مجال حقوق الإنسان منفصلون ذهنياً وروحياً عن شعوبهم رغم أنهم يشعرون بشعورهم وهم جزء لا يتجزأ من الشعب.
كل ما تقدم يدعونا الى دراسة العلاقة بين حقوق الإنسان والإصلاح والمواطن؟
وما هي العلاقة بين القانون والمواطن وهل تجسيد مبدأ سيادة القانون وتطبيقة الصحيح يقودنا نحو بداية الإصلاح في العالم العربي؟
ماهي إمكانيات المصالحة بين الشعوب العربيه والأفكار الديمقراطيه والمأسسة والحقوق الدستورية ومبادىء سياده القانون؟

برأيي أن تطبيق الديمقراطية في العالم العربي يستوجب التعامل مع القواعد الديمقراطية التي تحقق المساواة والعدالة حيث يلعب الدستور والتشريعات الاخرى دورا هاما في عملية الانتقال الديمقراطي وتعزيز الأنظمة الديمقراطية لذا يجب علينا التمسك بمبادىء الحرية وسيادة القانون وعدم التصرف كأطراف تحاول دمقرطة شكل السلطة أو إستخدام مصطلحات وتعابيرالخوف من الحرية.

فلسطين والإصلاح
مما يحد من الإنطلاق القوي في إستكمال الإصلاح في فلسطين طبيعة التحديات التي تواجة المجتمع الفلسطيني سلطة وشعب والمتمثلة في الإحتلال الإسرائيلي، وفي طبيعة الخلافات السياسية التي قامت أخيرا بعد وصول حماس الى السلطة رغم أنها جائت بشكل ديمقراطي والحصار الإقتصادي الذي فرض على الشعب الفلسطيني بعد الإنتخابات الأخيرة وعدم قدرة رأسي السلطة في التأقلم والإنسجام لإختلاف الرؤى والتوجهات.

وتأسيسا على ما تقدم فإنة يجب أن لا تبقى الأفكار الخاصة بالتغيير والإصلاح تطرح خارج الخطط والإستراتيجيات التشريعية حيث ان عدم تسلل تلك الأفكار للتشريعات وحسن تطبيقها يجعل التغيير في الواقع السياسي في حدودة الدنيا كما يؤدي الى تعايش واستقرار الأنظمة السياسية مع النقد اللفظي الذي يسمح له بحدود معينة ووفق رغبة تلك الحكومة أو ذاك النظام دون القدرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية مما يوحي للمراقب بأن هناك اتفاق ضمني على تهميش الدورالتشرعي والدور الشعبي وجعله خارج أجندة وتفكير الأطراف الرسمية للنظام السياسي الفلسطيني رغم الإدعاء بغير ذلك.

إن بداية الإصلاح في فلسطين تبدأ برايي من القراءة الجديدة للدستور التي يجب أن لا تنظر الى الدستور باعتباره وثيقة تبريرية للسلطة الحاكمـة بل هو عقد مفتوح مع الشعب يتطلب التغيير المستمر بإدماج التغيرات الغير المتوقعة لحظة وضعه والانطلاق في أولويات التغيير من المجتمع المدني وليس الدولة عبر الثقافة السياسية المجتمعية المعبر عنها داخل النص الدستوري الذي يجب أن يعتبرعملاً من أعمال المحكومين قبل أن يكون صنيعة الحاكمين

وإنطلاقاً من الشكل الحديث للنشاط السياسي الذي ندعو إلية فلا بد من تعزيز الديمقراطية التي تسمح للجميع بالمشاركة في تشكيل الإرادة العامة خارج نطاق الإنتخابات وذلك عبر منح المواطن حق التدخل في القاعدة التشريعية ومراقبة مؤسسات السلطة.

ففكرة الحرية السياسية للمواطن لم تعد تمرعبر ضروب مبدأ فصل السلطات التي سيطرت على النقاشات الدستورية والسياسية في الماضي ولا تزال تسيطرعليها في الوقت الحاضر وتلقي بظلالها دون تفكير على الواقع السياسي في معظم دول العالم ولكنها يجب أن تمرعبر منظومة الحريات التي يتمكن بواسطتها الشعب من فرض احترامه وإرادتة على الحاكمين، فلايجوز أن يبقى الدستور معبرا عن العلاقة بين المؤسسـات والسلطات فقط بـل حاضنا وضامنا للحقوق والحريات ومعبرا عن العلاقــة بين المواطنين والدولــة وهذا ما شهدتة المداولات الكثيرة التي قامت بين أطراف السلطة والذي تمترس كل واحد منهم بالقانون الأساسي وبضرورة تطبيقة وفقا للمفهوم الخاص بكل فريق وبما يحقق مصالح هذا التنظيم او هذة الفئة دون إكتراث بحقوق الشعب وحرياتة الاساسي وبناءً على ما تقدم فإنة يجب أن لا تكون الدساتير والقوانين هي الكوابح لمواجهة انحرافات أصحاب السلطة وتعسف السلطات فقط "ويا ليتها تضع الاليات لضمان ذلك" بل يجب أن تكون مجسدة لمفهوم ونظرية العقد الاجتماعي بالانتقال من ديمقراطية الحاكمين الموجهة الى ديمقراطية المحكومين المحققة للعدالة والمساواة حيث تكون الحرية محمية والتمثيل النيابي الحر مضمون للجميع وحيث يتحول الدستورالى وثيقة للحقوق والحريات ويؤسس للمواطنة خارج وصاية الدولة وهيمنتها وتتغيرالأولويات من أولوية السياسي وحماية النظام الى أولوية الدستوري والقانوني والشرعي وحماية الحقوق والحريات في ظل النظام السياسي الديمقراطي.

ولا شك أن الوضع القائم في فلسطين تدرج منذ عودة منظمة التحرير وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية حيث تأثرت منظمة التحرير بالذهنية العربية وما فيها من أنظمة سياسية متباينة وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الاخرى وعلى الوضع السياسي الذي كان محكوما بشخصية مركزية تتمتع بكاريزما وقدرة على المناورة وهي شخصية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ولكن الممارسة العملية إختلفت مع البدء بالثورة التشريعية التي إنصبت على مجموعة كبيرة من القوانين وعلى وضع وتبني القانون الأساسي الفلسطيني الذي وضع لفترة مؤقتة كان مقررا أن تنتهي مع بداية العام 2000 وإقامة الدولة الفلسطينية ولقد شهدت هذة الفترة إنطلاقا للحريات وإنفتاحا سياسيا ونموا إقتصاديا وتغيرات إيجابية على صعيد حقوق الإنسان بإستثناء بعض الممارسات لبعض الأجهزة الأمنية أو أصحاب النفوذ السياسي أو الإقتصادي والتي اتهم بعضها بالفساد وإن كان ذلك لا يمثل نهجا أو عملاً روتينيا بل تصرفات شخصية لم تحل دون إطلاق الحريات وحماية الحقوق حيث تم إلغاء محكمة أمن الدولة ولم يتم الإعتراف بأعمال السيادة وبدأ القضاء يسير بخطى حثيثة في سبيلة نحو الإستقلال والحيدة والتطور وشهدت السنوات الأخيرة تشكيل مجلس القضاء الاعلى الذي هو بحاجة لبعض الوقت ليثبت مصداقيتة وكفاءتة خاصة مع التنافر السياسي والحاجة الماسة الى وجود سلطة قضائية للفصل في الأمور الهامة التي تستوجب الرأي والإستشارة مما دفعنا للدعوة الى تشكيل المحكمة الدستورية العليا ومنحها صلاحيات أكبر ولكننا الآن ندعو الى التريث في هذا التشكيل لأن الوطن أصبح يقاس بالأشبار ويقسم بين كل الأطراف ويريد كل من حمل سلاحاً وبصرف النظر في وجه العدو أو الأخ أو الصديق أن يحصل على حصة، ولو قدر للقضاء أن يخضع لهكذا محاصصة فإنة فاقد بلا محالة إستقلالة ونزاهتة وحيدتة.

وفي خضم هذا التحول بدأت الإنتفاضة التي رسمت معالم المقاومة ولكنها أثرت بشكل واضح على الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها في فلسطين ونتيجة للتوجة لحيازة السلاح إنتشر الفلتان الأمني وتراجعت أوضاع القضاء.

أما مؤسسات حقوق الإنسان وعلى الرغم من إزدياد عددها الإ أن توجهاتها وخياراتها وأولوياتها بدأت بالإختلاف ونلاحظ أن فلسطين تعاملت مع قضية حقوق الإنسان وفقا لمفهومها الكوني القائم على الشمولية والمبادئ الدولية حيث لا مفاضلة فيها بين الحقوق سواء كانت سياسية أو مدنية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية.

وتحظى المرأة بدور هام في القوانين الفلسطينية ولا يقتصر ذلك على المشاركة الإجتماعية بل تعدى ذلك الى المشاركة في كل الميادين الإقتصادية والسياسية ولم تخلو أي تشكيلة وزارية فلسطينية من عدد من الوزراء النساء كما أنة تم إدخال الكوتا النسائية لتضمن دخول عدد كبير من النساء في المجلس التشريعي الفلسطيني ليس هذا فحسب بل أن الكوتا طبقت على صعيد المجالس المحلية والقروية والبلديات ومع بداية العام 2006 دخل لاعبون جدد لحلبة الإنتخابات الفلسطينية التي جائت بحكومة جديدة لم تستطع التعايش مع الرئاسة ولم تستطع أن تنعتق من معسكرالمعارضة لدى صعودها لسدة الحكم مما أثر سلبا على المؤسسات الفلسطينية وتراجعت التنمية وتعطلت الكثير من المؤسسات التعليمية والصحية بل وتراجع الدور الفاعل لمنظات حقوق الإنسان التي لم تستطع أن تلعب دورا فاعلا في إيقاف سفك الدماء ومنع الإقتتال بين الأخوة.

ولا شك أن الإعلام كان يتميز بحرية لم يسبق لها مثيل على صعيد العالم العربي رغم بعض المضايقات التي كانت تتم احيانا من ذوي السلطة والنفوذ ولكن الأمر شهد تراجعا ملحوظا وخطيرا في الفترة الأخيرة حيث تعرض الكثير من الصحفيين للملاحقة والإعتداء والخطف وتعرضت الكثير من المكاتب الصحفية للتدمير والحرق، رغم أن وزارة الإعلام كانت قد أعدت منظومة قانونية تضمن الحرية والحماية للصحفيين والمؤسسات الصحفية على حد سواء حيث أن مشروع القانون كان يمنع حبس الصحفي أو ملاحقتة.

ومع إيماننا بضرورة تواصل العمل في سبيل الإصلاح الإداري والمالي والإقتصادي فإن الإصلاح الحقيقي في فلسطين يجب أن ينصب على زوال الإحتلال الإسرائيلي وإنتشار السلام في ربوع هذا الوطن وبحل هذة المعضلة سينعكس ذلك ليس على فلسطين فقط وإنما على المنطقة العربية بأكملها.

في معركتنا في مجال الإصلاح أرى أننا ننتصر نصف انتصار، وننهزم نصف هزيمة فلدينا الكثير من الأفكار التي تطرح لكن القليل منها ينفذ أو حتى يستمع له!

اتساءل ما هي المشكلة؟ هل نحن مع العقل والمنطق أم نسبح ضد التيار وهل الجماهير تعمل العقل والمنطق أيضا أم لا؟

وفي حديثنا عن الإصلاح فإنة من المهم التركيز على حماية المواطن فحياة الإنسان هي رأس سنام حقوقة وحرياتة وقد لا نتأثر ولا نستمع ولا نأبة لفقدان شخص في واقع وطن ولكنني أرى أن فقدان شخص بلا عدالة يساوي لدي فقدان وطن.
ولا بد في هذا الإطار من فتح الطريق واسعاً أمام الإصلاح وسواء جاء راجلاً أم على ظهر حصان!

-كلمة الدكتور علي خشان في ورشة عمل الاصلاحيون العرب وبناء شبكات والتحالفات