نعوم تشومسكي وسياسات اسرائيل

2010-05-17

قال المفكر وعالم اللغويات اليهودي الامريكي نعوم شومسكي أن الممارسات الإسرائيلية اصبحت تهدد مصالح أميركا في الشرق الأوسط، وتحرجها بأساليب مزعجة من خلال إعلانها عن تأسيس منطقة استيطانية جديدة مع كل زيارة، يقوم بها وزير خارجية أميركي منذ عهد الرئيس جورج بوش الأب إلى الآن. واصفاً الصراع العربي الإسرائيلي بأنه صراع غريب لإنه من السهل حله بالنظر لوجود اجماع دولي على كيفية الحل.
 
شومسكي الذي كان يتحدث في جلسة حوارية نظمها مركز القدس للدراسات السياسية مساء أول أمس الإثنين وادارها معالي الدكتور سمير مطاوع، قلل من شان الخلاف الامريكي الإسرائيلي الراهن بشان الإستيطان مشيرا الى ان تلك الازمة تشبه ازمة سابقة حدثت قبل عشرين عاماً ابان حكومة اسحاق شامير، موضحاً ان الإدارة الامريكية انذاك برئاسة جورج بوش الاب لم تكن تشعر بالحرج من بناء المستوطنات، وإنما من التوقيت الذي كان يختاره شامير للإعلان عن بناء المستوطنات والذي دائماً كان يتزامن خلال زيارات مسؤولين امريكيين كبار لإسرائيل، معتبرا ان ذلك النهج كان يشكل اهانة للإدارة الأمريكية وأضاف تشومسكي أن حكومة رابين - بيريز، تابعت سياسات شامير نفسها، ولكن بطريقة "مؤدبة"، بحيث شرع الإثنان في الإعلان عن بناء المستوطنات، بعد مغادرة وزير الخارجية الأميركي.

وجاء لقاء شومسكي بعشرات من السياسيين والاعلاميين والحزبيين في مركز القدس غداة منع السلطات الإسرائيلية له من دخول الضفة الغربية لالقاء محاضرة في جامعة بير زيت في خطوة اثارت استهجانا كبيرا على مستوى العالم.
 
واشار شومسكي الى ان تحولا قد حدث لدى الراي العام الامريكي ازاء ما يجري في المنطقة ، وللتدليل على ذلك قال شومسكي قبل أسبوعين ألقيت كلمة أمام مجلس الشؤون الدولي في بوسطن وفوجئت بهم يطلبون مني التركيز على الشأن الفلسطيني، مشيرا الى أن هذا الطلب كان يعتبر شبه مستحيل قبل سنين ، معرباً عن اعتقاده ان ذلك يشكل انعكاس للتحول الذي يمر به الرأي العام الأميركي حاليا.
 
غير انه اوضح ان هذا التحول لم يترك اثر لغاية الان على صانع القرار الأمريكي وعلى السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، مبررا ذلك بغياب المعلومات والحقائق عما يجري في المنطقة لدى الراي العام في الولايات المتحدة . غير انه اشار الى اثار التحول انعكست على نحو فعال في الإعلام الامريكي.

واوضح شومسكي ان هناك عدة متغيرات ساعدت في حدوث هذا التحول لدى الراي العام منها المصلحة الاستراتيجية الامريكية، والشعور بأن سياسات اسرائيل تهدد المصالح الأميركية في المنطقة الأمر الذي قد ينعكس سلبيا عليها ، خاصة مع وجود جيوش امريكية في المنطقة اصبحت مهددة بشكل مباشر وقد تؤثر عليه طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، مشيرا الى تصريحات كان قد ادلى بها الجنرال باتريوس قال فيها ان سياسات اسرائيل تهدد المصالح الأمريكية. وقال باتريوس تاجع عن هذا التصريح فيما بعد بسبب ضغوطات البيت الابيض ، غير ان شومسكي اكد ان هناك العديد من المسئولين الامريكيين كرروا ذات المواقف.
 
المتغير الثاني الذي تحدث عنه شومسكي يتمثل في انه اصبحت هناك قناعة دولية راسخة بضرورة اقامة دولة فلسطينية مشيرا الى ان هذه الكلمة لم تعد من المحرمات رغم وجود جدل حول صفات هذه الدولة. اما المتغير الاخر فيتمثل في ان الدول العربية اصبحت تؤيد حل الدولتين وقد اقرت ذلك في مبادرة السلام العربية وبالتالي اصبح تجاهل الموقف العربي بهذا الخصوص امر صعب للغاية وفق شومسكي.
 
وتحدث المفكر الأمريكي عن متغير رئيسي يتعلق بإسرائيل ذاتها فقال، لقد تغيرت اسرائيل كثيرا وتحولت الى اليمين المتطرف والتدين المتطرف واصبح تاثير المجتمع الإستيطاني واضح داخل النظام السياسي الإسرائيلي.
 
واستبعد خضوع إسرائي لاوامر امريكية كما حدث قبل عشرون عاماً ، وقال يستطيع الشخص ان يتكهن بهذه النتيجة بالنظر للتصرفات الإسرائيلية المدمرة للذات حتى من منظور المصلحة الإسرائيلية ، واعطى شومسكي امثلة على ذلك بالإهانة التي وجهتها اسرائبل قبل اشهر للسفير التركي في تل ابيب رغم ان تركيا تعتبر اقدم صديق وحليف لإسرائيل في المنطقة ، اما المثال الثاني فيتمثل في رد الفعل الإسرائيلي على تقرير غولدستون ،كذلك في منعه من الدخول الى الضفة الغربية لالقاء محاضرة في جامعة بيرزيت وقال ان اسرائيل تصرفت بهذا الصدد بشكل غير عقلاني واحرجت نفسها عالمياً . وتابع عندما تفقد دولة اعصابها فإنها تتصرف بشكل غير منطقي وتساءل ماذا لو يلتزموا بالاوامر الامريكية بخصوص ايران وقاموا بتوجيه ضربة عسكرية لها ؟
 
وتطرق تشومسكي إلى مقالته "دجاج مقلي" التي قال فيها إن "البرنامج السياسي لحزب الليكود الحاكم بقيادة نتنياهو، ينص على رفض قيام دولة عربية غرب نهر الأردن"، مع أن حكومة نتنياهو الأولى في العام 1996 كانت أول حكومة إسرائيلية تستخدم عبارة "دولة فلسطينية" مبينا أنها قبلت أن يطلق الفلسطينيون صفة "دولة" على ما تبقى لهم من فلسطين أو أي تسمية أخرى مثل "الدجاج المقلي".وقال تشومسكي إن عنوان مقالة "دجاج مقلي" لم يكن من عندياته ولم يخترع منه حرفا وإنما هو بالأصل مأخوذ من أفواه السياسيين الإسرائيليين.
 
واستذكر تشومسكي ما قاله وزير خارجية جنوب افريقيا في العام 1967 للسفير الأميركي إننا "نفهم أننا معزولون عن دول العالم والأمم المتحدة كما نفهم أنه لا يوجد إلا صوت واحد في الأمم المتحدة هو صوت اميركا، مبينا أن وزير جنوب افريقيا كان يدرك قوانين اللعبة ويفهم أن القوة هي المسيطرة، مؤكدا أن عقلية جنوب افريقيا كانت شبيهة بعقلية إسرائيل الآن لانها تراهن على أن أميركا معها ولن تهزم.
 
وقال انه عندما غيرت الولايات المتحدة موقفها من نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في عام 1990 إنهار هذا النظام مشيرا الى ان العقلية الإسرائيلية الحالية شبيهة بعقلية نظام جنوب افريقيا السابق.
 
وفيما يتعلق بكيفية حل الصراع في المنطقة قال شومسكي ان الصراع العربي الإسرائيلي صراع غريب لان حله امر سهل وهناك اجماع دولي منذ ما يزيد عن 35 عاماً على ضرورة حل هذا الصراع على اساس دولتين مشيرا الى القرار الدولي رقم 242 بهذا الخصوص ، مشددا على ان اسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول في المنطقة هي العقبة امام تطبيق القرارات الدولية.
 
وحول مستقبل المفاوضات المباشرة التي بدات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتكليف السيناتور جورج ميتشل بمهمة الوسيط بين الجانبين قال شومسكي ان اختيار ميتشل كان قرارا سليماً ولكن الخطا في الدور الذي يقوم به لإن المفاوضات غير المباشرة يجب ان تتم بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لان الإنقسام الأساسي بينهما حول كيفية حل القضية الفلسطينية موضحاً ان الولايات المتحدة لم تشارك المجتمع الدولي بالراي حول كيفية حل القضية الفلسطينية سوى مرة واحدة خلال 35 عاماً في إشارة منه الى المعايير التي طرحها الرئيس الامريكي السابق بل كلينتون في اخر ايام ولايته الثانية وقال لقد اكتشف كلينتون ان ما تم طرحه على الفلسطينيين في مفاوضات كامب ديفيد الثانية لايمكن لاي قيادة فلسطينية القبول به ، فجاءت المعايير التي طرحها قريبة للطموحات الفلسطينية.
 
وطالب بدعم أميركي فوري لحل الدولتين وتغيير وتجنيد الرأي العام الأميركي على أساس فهم الواقع وليس بناء على الاشمئزاز من المذابح فقط، مؤكدا ضرورة أن يؤثر الرأي العام على القرارات وليس فقط في التمحور في رفض السياسات.
 
وفي تعليقه على السياسات الأميركية الأخيرة تجاه المنطقة، اعاد تشومسكي التذكير بمواقفه السابقة التي اختلف فيها مع توقعات المتفائلين بحدوث تغيير في هذه السياسات في عهد أوباما. وكان قد قرأ في خطاب أوباما المعلن على موقعه الإلكتروني، ومنذ الفترة التي سبقت مرحلة الانتخابات التمهيدية الأميركية، ثباتاً على المواقف الأميركية التقليدية الداعمة لإسرائيل. وقال لم يختلف موقف أوباما لاحقاً عن مواقف أسلافه من الرؤساء الأميركيين على النحو الذي كان متوقعاً.
 
وعن أطروحة حل الدولة الواحدة ثنائية القومية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي التي كان قد أيدها مع جملة من المثقفين الآخرين، أشار تشومسكي إلى أن تلك الأطروحة قد أصبحت مقبولة في الفترة الأخيرة بعد أن كان التصريح بها لا يلقى الترحيب في وقت سابق. وعبّر عن اعتقاده بأن هذا الحل الذي أصبح الحديث فيه مشروعاً في الولايات المتحدة هو الذي سيكون صالحاً على المدى الطويل، غير أنه غير قابل للتحقق في الوقت الراهن، ولذلك يجب تهيئة الأرضية لتحقيقه من خلال اتخاذ خطوات قد يكون منها إنجاز حل الدولتين المطروح حالياً. وعلى الرغم من أن حل الدولتين قد لا يكون خياراً جميلاً، إلا أنه يبدو قابلاً للتحقيق على الأقل في السياقات الراهنة مقارنة بحل الدولة الواحدة الذي لا تتوفر الظروف الموضوعية لتحقيقه حالياً، وسوف يدرك الناس على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، أن من المستحيل الإبقاء على خط يقسم المنطقة
 
وعلق تشومسكي على الواقع العربي الحالي وأزماته السياسية والاقتصادية، فقال إن المنطقة العربية غنية بالموارد، وبخاصة البترول، وهي تقوم بإهدار هذه الموارد القابلة للنضوب والتي تشكل لها نافذة للفرصة، ولا تقوم باستغلالها بالشكل الأمثل من أجل إحداث التنمية على مختلف الصعد. وعبر تشومسكي عن اعتقاده بضرورة أن يتصالح الواقع العربي مع مسارات التنمية من أجل تجنب الوصول إلى مستقبل قاتم. وقال إن التغيير في العالم العربي يجب أن يأتي من داخله وليس من الخارج. ثم نبه إلى النموذج التركي، حيث تقوم تركيا بإعادة صياغة علاقاتها مع محيطها الإقليمي، وكذلك دخول البرازيل على الخط في الأيام الأخيرة من أجل التأثير على ما يحدث في المنطقة.
https://www.alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=QUNUSVZJVElFUw==&id=763