التربية على المواطنة آلية لمقاومة المدّ الارهابي

2015-12-07

ملاحظات عابرة قبل البدء:
  •  الإرهاب لا دين له ومع ذلك فهو يحاصرنا اليوم باسم الدّين وباسم الدين الإسلامي تحديدا.
  • لا يتعلّق الأمر بالسعي إلى تحميل الإرهاب معنى أو أن نبحث له عن تأويل، إذ أنّ الإرهاب لا معنى له، ولكنّ مشهد الإرهاب يفرض إرهاب المشهد وفق عبارة جان بودريار
  • إنّ معركتنا مع الإرهاب هي معركة ضدّ الموت الجماعي إرساء لأمل مشترك في الحياة

قبل أن نبدأ في تشخيص أزمة المدرسة وانعكاسها على مشهد الإرهاب الذي يتخذ صورة فعل دموي "يرهبون به عدوّ الله وعدوّهم" انتصاراً للمقدّس وحباً في الله أودّ أن أشير إلى أنّنا في تونس أو لأقل بأكثر دقّة ثمة إحساس عام بأننا صدمنا بشكل مضاعف:

1- صدمتنا في وجهها الأول فيما يطلق عليه الربيع العربي الذي بدأ عندنا والذي استحال خريفاً، انتظرنا أن يزهر ألف زهرة وزهرة على حدّ عبارة الرفيق شهيد الوطن شكري بلعيد فإذا به يقتلع بذور الزهور من جذورها ويستحيل معه الحقل قاحلاً.
 
2- صدمتنا الثانية في المدرسة التي طالما افتخرنا بها وبمخرجاتها ونحن أبناءها وخريجيها، فإذا بها تغدو حاضنة للإرهاب ومنتجة للإرهابيين علماً بأنّ الإرهاب لدينا لا يردّ إلى صراع الطوائف لأنه لا طوائف لنا في تونس، ولا يرد إلى صراع مذاهب كذلك حتّى الصراع الأيديولوجي الذي له جذوره في تونس ظلّ في مستوى صراع الأفكار ولم يتحوّل إلى صراع دموي.
 
3- هذه الصدمة لا تنفي وجود بارقة أمل: إذ أستحضر صورتين تعكس هذه الصدمة من جهة، وتُعبّر عن مشروعيّة الأمل من جهة ثانية: الصورة الصادمة تجلّت في مشهد تمّ التسويق له مشهد فتيات في سنّ الرابعة والخامسة ألبسوهنّ اللباس "الشرعي" وهنّ يرددن شعار "موتوا بغيضكم" أمّا الصورة الثانية فتتمثّل في ردّ فعل الشباب التونسي تجاه الحادثة الإرهابية الأخيرة في شارع محمد الخامس أيام قرطاج السينمائية، إذ رغم هول الحدث ورغم اعلان حالة الطوارئ وإعلان حضر الجولان ورغم التهديدات التي كان تنذر بتعليق فعاليات أيام قرطاج السينمائية، فقد كان اقبال الشباب على دور السينما مكثّفاً بشكل أذهل الجميع وهي صورة تُعبّر عن امتلاء بثقافة الحياة ضدّ ثقافة الموت.
 
ومع ذلك يفرض علينا الوضع أن نتساءل: كيف نفهم تحوّل المدرسة من فضاء لتنوير العقول إلى حاضنة للتطرّف والإرهاب؟ أي علاقة بين أزمة المدرسة وتفاقم التطرف والإرهاب في صفوف الناشئة؟ وكيف يمكننا أن نعتقد في أنّ انسانيتنا إنشاء تربوي وفق القول الكانطي، في حين تنتج المدرسة اللاإنساني فينا أو تكثّف تجليات اليأس من الإنساني طالما أنّ العنف هو علامة يأس من الإنساني استعارة لقول إيريك فايل الذي يجد احدى تمظهراته في الإرهاب بما هو ترجمة عمليّة للتطرّف والتعصّب؟
 
إصلاح المنظومة كآليّة لمقاومة التطرّف والارهاب 
لا أضيف جديداً حين نؤكّد أنّ المدرسة كما المنظومة التربويّة تشهد أزمتها القصوى في بلادنا، وهي أزمة لا تفهم إلاّ باستدعاء الخيارات التي حكمت المدرسة ومن بين أهمّ ملامح هذه الخيارات:
 
1- اعتماد منوال تربوي هجين بُني على توصيات صندوق النقد الدولي، وانخراط تونس في "الغات"، منوال ركّز على مدخل الجودة وأعتبر أنّ أزمة المدرسة والمنظومة ككل يعود إلى غياب قيم الاحتراف سواء في مجال التسيير أو بالنسبة إلى الفاعلين التربويين وعلى رأسهم المدرس.
 
2- لا يغيب على أذهانكم أنّ قيم الجودة والاحتراف دخيلة عن المدرسة، بما أنّها تُردّ إلى سجل اقتصادي ليبرالي ينظر إلى المدرسة بما هي سوق، وينتظر من المدرسة في مستوى مخرجاتها أن تنتج عملة أكفاء وهو ما يعني اختزال الإنسان في بعد واحد هو الإنسان المنتج أو العامل ليغيب عن المدرسة دورها القيمي ولتغيب تبعا لذلك صورة الإنسان في كليته أو لنقل حوّل هذا المنوال الإنسان إلى أداة وأداة لكلّ أداة
 
3- استحالت المدرسة إلى سوق خدمات بالتركيز على اكساب المتعلمين بعض المهارات التقنية التي يطلبها السوق والتي تُعدّ معياراً للاحتراف في مقابل تهميش ما يمكن أن يكون قوام تحقق الإنساني في الإنسان.
 
4- عَمقّت الإجراءات المُنظمة لواقع المدرسة وواقع التقييم ومعايير النجاح والاخفاق من تكريس المدرسة لواقع التفاوت بين المتعلمين كما بين الجهات، وبدل من أن تكون المدرسة مصعداً اجتماعياً وقاطرة لتغيير المجتمع وفضاء حريّة غدت قلعة استعباد ومجال تكريس التهميش وتعميق عدم الشعور بالانتماء لا للمدرسة ولا أيضاً للوطن.
 
5- ًإنّ واقع التسرب المدرسي وضعف أداء المدرسة علاوة على كُلفة التمدرس (مع تفاقم الدروس الخصوصيّة وخضوع النجاح إلى منطق البيع والشراء) لم ينتج عقولا مفكرة، ولا كذلك أدمغة محشوة بالمعارف بل كيانات سيطر عليها اليأس من الآتي أي شخصيات مرتجفة مهتزة نفسياً غريبة في وطنها، كل أملها في اجتياز الحدود خلسة نحو الغرب عامّة
 
لكن أيّ صلة بين تفاقم التطّرف وتنامي الإرهاب وأزمة المدرسة؟
 
لا يمكن أن نحمّل المدرسة وحدها أزمة العقول إذ يمكن أن نردّ هذه الظاهرة إلى سببين رئيسيين:
 
الأوّل: يُردّ إلى مخرجات المدرسة حيث لم نوفق في انتاج عقول مفكرة، ولم نستطع حتّى حشو الأدمغة بالمعرفة لنحصّنها من آفة التطرّف والإرهاب رغم ما تضمنته النصوص المنظّمة للعمليّة التربوية من شعارات من قبيل المتعلّم محور العمليّة التربويّة وغيرها، ويعود ذلك بالأساس إلى توظيف السياسي للتربوي خدمة لأهدافه فالسياسي عمل على تدجين المدرسة كبقية مجالات الحياة.
 
الثاني: يُردّ إلى ما اقترن به "الحدث الثوري" الذي عايشناه من انتكاسة، والتفاف تحولت معه شعارات الثورة الشغل والحرية والكرامة الوطنية إلى شعارات التدافع الاجتماعي والرغبة في تغيير نمط المجتمع تحت شعار الشعب مسلم، ولا يستسلم وما أُقترن به هذا الشعار من تغافل عن تنامي ظاهرة التشدد الديني والعنف المصاحب له، عبر السماح للخيم الدعوية وتكفير المختلف والدعوة إلى اقصاءه وتشريع محاربته والسماح لشيوخ الظلام من استباحة الفضاء العمومي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار واقع الهشاشة النفسية للناشئة مع تضخم خطاب الهويّة الذي غدا مشكلة، إذ أصبحنا نعيش فائض هويات والذي أنتج الهويّة القاتلة وانتقل بنا من الهوية إلى الهاوية ، ولا شك أنّ الهويّة تغدو مشكلة لحظة يتم النظر إليها ككلّ مغلق وثابت يُعامل معها بشكل صنمي محنّط.
 
إنّ ظاهرة الإرهاب تتكثّف إذن وتُضاف إلى أزمة المدرسة من الخارج، لذلك يحتاج مشروع إصلاح المنظومة التربوية أن ينبني على رهان مضاعف
  • (تطوير المنظومة التربوية بصورة تحترم السياق وانتظارات المرحلة (المسار الثوري الذي نحيا
  • أن تكون قاطرة لمقاومة الإرهاب
لذلك بٌني مشروع إصلاح المنظومة التربوية على جملة مبادئ نذكر أهمّها:
المبادئ العامة
  • الإطار المرجعي:
المرجعيّة القانونيّة : دستور البلاد إذ بمقتضى ما ورد بالفصل 39 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 الذي يؤكّد أنّ "التعليم إلالزامي إلى سنّ السادسة عشرة، تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني بكامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين، كما تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني، وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها، والانفتاح على اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية ونشر "ثقافة حقوق أنسان"، فإنّ رؤية إصلاح المنظومة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار جملة القيم والحقوق التي نصّ عليها الدستور بشكل فعلي لا صوري في تصوّر مدرسة المستقبل الذي نريد، والتي من أهمّ مقوّماتها أن تكون عموميّة مجانية تُؤمّن حق التعلّم للجميع على قاعدة الإنصاف، وتتعامل مع المتعلّم بوصفه غاية الفعل التربوي لتصبح المدرسة فضاء قابلاً للعيش وتتحوّل من قلعة استعباد إلى فضاء حرّيّة. علاوة على منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية وغيرها.
 
السياق التاريخي: إنّ الإجماع الحاصل على ضرورة إصلاح المنظومة التربوية والذي يراهن على إنقاذها يحصل في سياق مغاير للإصلاحات التربوية السابقة، إذ يقترن بالحدث الثوري الذي عشناه و ما زلنا نعايش مساره، والذي رغم محاولات الالتفاف عليه بتفعيل الآليات القديمة وعودتها إلى الاشتغال، فإنّنا نُقدّر أنّ لا معنى لهذا الإصلاح ما لم يتأسس على أهداف الثورة وشعاراتها، إذ من الضروري أن نتخذ من أهداف الثورة رهانات نُحمّل المدرسة والمنظومة التربوية المنشودة مسؤولية تحقيقها، لتنخرط المدرسة في المسار الثوري الذي نعيش، إذ لا نجاح لهذا المسار دون إنجاز ثورة تربوية وتعليمية ثقافية تسمح للمدرسة بالانخراط في تحقيق مطالب الحرية والكرامة والعدالة والمساواة. والإسهام في إرساء أُسس الدولة الديمقراطية الاجتماعية التي تقاطع الاستبداد، وتعلن عن بناء منوال تنموي جديد، وعلى هذا الأساس لن يكون اهتمامنا بإصلاح المنظومة أهتماماً بالشكل بدل المحتوى أو أعتماده واجهة لتلميع صورة بدل الانشداد إلى تحدياتها، والتفكير في شروط إمكانها تحرراً من الوهم الذي عاشرناه طويلاً، ولعلّ أوّل التحديات التي تواجهنا أن نُفكّر في إصلاح المنظومة التربوية على أرضية لا فقط مغايرة لتعليمات صندوق النقد الدولي بل مناقضة لها، لتكون المنظومة التربوية وليدة واقعها ومُعبّرة عنه أو انعكاساً له وقادرة على الفعل فيه.
 
من مدرسة الأحتراف إلى مدرسة الألتزام: مدرسة المواطنة
إنّ الحديث المجرّد عن الألتزام التي تتباهى به أروقة المدينة اليوم لا يحيل على المعنى الحقيقي لمفهوم الألتزام، لأنّه يشترط ما لا تمتلكه المدينة استعداداً وجسارة وجدارة، فالألتزام وعد يحيل على شعور بالمسؤولية تجاه كلّ ما يجري من حولنا وتحمّل تبعات مسؤوليّة الأحداث التي تجري حتّى وإن لم نكن طرفا فيها، مسؤولية ذاتية من جهة الصدق ومسؤولية جماعية من جهة التورط. و بهذا المعنى نعتبر سقراط – حين كان يجوب الشوارع مستفزّا للقناعات – فيلسوفاً ملتزماً، وبهذا المعنى أيضاً نعتبر إميل زولا – فيما يسمى قضية دارفوس – ملتزماً حيث ينخرط المثقف العضوي وسط الحشد ليدافع عن القيم الإنسانية عن الإنساني في الإنسان.
 
إذا كانت مرجعية الاحتراف اقتصادية فإنّ مرجعيّة الألتزام نضاليّة، وهو ما تحتاجه المنظومة التربوية اليوم حيث يكون المُربّي حاملاً لهمّ رسالة المدرسة، والتي تفتقد كلّ معنى ما لم تقترن بمثل أعلى إنساني: تكوين الإنسان، المواطن، الفاعل فما دامت إنسانيتنا إنشاء تربوي، فعلى المدرسة أن تحقّق صورة الإنسان في كونيّته و ما دامت المواطنة عتبة الإنسانيّة على المدرسة أن تحقق في الناشئة قيم المواطنة الفاعلة و ما دام المواطن الفاعل لا يكون كذلك في وجه من وجوهه دون أن يكون منتجاً، فعلى المدرسة أن تُعّد متعلّميها على احترام قيمة العمل إذ لا قيمة للمدرسة ما لم تستهدف تطوير شروط إمكان اكتساب المعارف الضرورية للحياة العامّة والعملية من جهة ولحياة فكريّة جماليّة واجتماعيّة أكثر ثراءً، وأكثر تنوّعا وفق نموذج مُثل المدرسة المُحرّرة، وهي مُثل نخونها حين نُحوّل المدرسة إلى غرفة خلفية للسوق.
 
إنّ تحقق هذا المشروع يعني:
 
1- اعتبار التربية والتعليم أولوية وطنية تُسخّر من أجلها الموارد تأميناً لتربية متوازنة يتقاطع فيها المعرفي والقيمي والإنساني.
2- الإقرار بأنّ تأمين هذه المدرسة مُهمّة الدّولة أوّلاً وأساساً احتراماً لعموميّة المدرسة ومجانتيها.
3- ضمان حقّ الجميع في تعليم مُوحّد.
4- إخضاع التعليم الخاص من رياض الأطفال إلى التعليم العالي إلى رقابة سلطة الإشراف.
5- أن تكون المدرسة مدرسة للقيم أوّلاً مدرسة تحقيق الغايات القصوى للعقل البشري الكوني مدرسة التحرّر والحق والجمال.
6- أن تكون المدرسة مُنصفة توفّر تكافؤ الفرص بين الجميع دون تمييز مهما كانت قاعدته التزاماً بالمواثيق والعهود الدوليّة.
7- أن تكون مدرسة عموميّة ومجانيّة وديمقراطية تقوم على الاعتراف بالحق في تعليم جيّد وضمانه وتستند إلى مقاربة حقوقية مُستمدة من المرجعية الدولية لحقوق الإنسان.
8- بلغة الاختصار لا يمكن لمدرسة المستقبل أن يكون لها معنى إن لم تؤسس لقيمة المواطنة، إن لم تراهن على خلق مواطنين، إذ دون ذلك لا معنى للحديث عن تأسيس مجتمع ديمقراطي مجتمع القوانين المنظمة والضامنة لمُحددات المواطنة والمؤمّنة للحقوق الاجتماعية والسياسية لأعضائها، ديمقراطية وإن تقتضي وفاقاً، فإنّها لا تستبعد الصراع بما أنّ الديمقراطية البسيطة ولّى زمانها.
 
إنّ مشروع الإصلاح الذي نُقدم عليه يقتضي إذن مواجهة اجتماعيّة يحتلّ فيها المعرفي والقيمي المكانة التي هو جدير بها في المجتمع، وصورة المدرسة التي نريد منها الإجابة عن سؤال مركزي لماذا وُجِدت المدرسة وما الذي تكون قادرة عليه دون غيرها من المؤسسات.
 
إنّ تجسيد مدرسة الألتزام هذه يعني:
 
o أنّ المدرسة ينبغي أن تكون مدرسة المواطنة تهتمّ بالمواطنة بما هي فعل مثلما تهتم بها بما هي قيمة.
o تحتاج هذه المدرسة إلى مراجعة للتعلّمات بشكل يوازن بينها في مستوى الزمن المخصص لها كما مستوى قيمتها في سلّم الضوارب مثلما يوازن بين العرفاني والوجداني والمهاري والقيمي.
o إنشاء تعلّمات أفقيّة من قبيل تعلميّة الحوار (تجربة تعليم الحوار ذو الأفق الفلسفي تعلّمية الفلسفة للأطفال) أو تعلميّة أنجاز المشاريع.
o مدرسة عمومية حداثيّة مُوحدة في مضامينها ومناهجها مجانية وإجبارية في كافة مراحل التعليم.
o مدرسة تلتزم بتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع فعلاً لا قولاً. فلم لا تعتمد التمييز الإيجابي مرحليّاً في علاقاتها بالجهات المهمّشة.
o مدرسة تدمج التعليم ما قبل المدرسي في مراحل التعليم ضماناً، لكي لا تتحول رياض الأطفال إلى حاضنة للإرهاب ومقبرة للعقول.
o مدرسة صديقة للطفل قابلة للعيش حاضنة للجميع إذ من مساوئ مدرستنا اليوم أنّها تلفظ أبناءها بمجرّد إتمام زمن التعلّم وتكون فيها الساعات الجوفاء بقدر ساعات التعلّم وما تمثّله هذه الساعات من خطر على المتعلّمين لأنّها تجعلهم فريسة للذئاب المنفردة.
o مراجعة الزمن المدرسي ليكون زمناً للتعلّم و زمناً للأنشطة الفنيّة والثقافيّة والرياضيّة وغيرها.
o إقامة شراكة بين المدرسة ومحيطها وأُخصّ بالذكر منها دور الشباب والثقافة.
o مدرسة تُقدّر التكوين حقّ قدره بدل التركيز على التقييم الجزائي أو تدمج التقييم في التعلّم بما يُعرف بالتقويم التكويني.
o مدرسة تُبنى على حوكمة مواطنيّة بما تعنيه من تعهّد الفاعلين التربويين بالتكوين المستمر وفق غايات المنظومة التربوية وتراجع آليّة انتدابهم.
o مدرسة تحرر مدرسة للقيم تراهن على خلق الإنسان بما هو ذات حرة، وإنماء الإنساني فيه وخلق المواطن الفاعل والمنتج.
قبل أن أختم نُقدّر أنّه بدل مواجهة المتعصب علينا أولاً مواجهة التعصب وقبل مواجهة الإرهابي علينا القضاء على الشروط التي تصنع الإرهاب إذ «بم نجيب انساناً يقول لك أنه يفضّل طاعة الله على طاعة البشر وهو بالنتيجة واثق من جدارته بدخول الجنّة بذبحك" على حدّ عبارة فولتير
 
إكساب المتعلم الروح النقدي و شروط تحقق المواطنة يقتضي إكسابه القدرة على التحرر من التعامل الوثوقي مع إرثه الديني، و هو ما يستوجب جرأة في تغيير منهج التعامل مع المسألة الدينية و علاقة الديني بالتربية، ألا نغتال الطفولة في الطفل حين يطالب منذ سنواته الأولى أن يحفظ السور القرآنيّة من قبيل "ألهاكم التكاثر"، أو «عبس و تولى" أو «تبت يد أبي لهب" و هو لا يفقه منها شيئاً، ولا تعنيه في حياته ومعيشه والأشدّ بؤساً أن نفرّق بين الطفلّ وصديقه في حصّة التربية الدينية بداعي أنّ الأوّل مسيحي و الثاني مسلم، ألسنا في حاجة إلى منظومة لائكيّة تفصل الديني عن المدني أو على الأقلّ ألسنا في حاجة إلى مراجعة دروس التنشئة الدينية من تعليم الأحكام إلى تعلّم مقاصد الشريعة و بتشريع الدراسة المقارنة بين الأديان أو تاريخ الأديان وهو ما من شأنه أن يراجع مفهوم الهويّة ويقطع مع النظر إليها بما هي هويّة تُقدس الذاكرة الرافضة لمنطق التاريخ في مقابل الأحتفاء بالذاكرة التاريخيّة.
 
بهذه الصيغة لن نكون أمام مشكلة الهويّة بما هي هويّة بسيطة ومنغلقة على ذاتها ترفض الآخر. بل نكون إزاء فهم للهوية مركّبة، والهوية المركّبة هي هويّة متعددة المنابع يصبح فيها التعدد الأثني والعرقي والمذهبي عامل ثراء ينبغي أن نحتفل به و نُعجب له، كما نُعجب من تعدد الفنون على حدّ عبارة بول ريكور.
 
ملاحظة: هذه جملة مبادئ أقرّت أغلبها الندوة الوطنيّة الأخيرة التي انعقدت في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والتي شارك فيها ما يقارب عن 200 خبير بمختلف حساسياتهم وننتظر قريباً الانكباب على إعداد الخطّة التنفيذيّة رغم بعض الأصوات الرافضة ذات التوجّه الديني أساساً.
 
إنّنا وفق هذه الرؤية لا نعبّر عمّا نحن عليه، وإنّما عمّا نريد أن نكون وأن تكون عليه أجيال المستقبل و"سنكون يوما ما نريد" انتصاراً لفلسفة الحياة ومواجهة لثقافة الموت، يكفي أن نبدأ"مادام الدرب تصنعه الخطوات".
  • أحمد الملولي، متفقد أوّل تعليم ثانوي وكاتب عام نقابة متفقدّي التعليم الثانوي وعضو لجنة قيادة اصلاح المنظومة التربويّة في تونس.

    ورقة عمل قُدّمت في ورشة عمل "نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف وبناء توافقات وطنية ... (2-4) - إصلاح المناهج والعملية التربوية كأداة لمحاربة التطرف والإرهاب"والتي نظّمها مركز القدس للدراسات السياسية في السابع والثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر 2015.
https://www.alqudscenter.org/print.php?l=ar&pg=UFJPR1JBTVM=&id=2047